اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

فصل

اعلم أنه تعالى لما بين أنه أمر كل الأنبياء والأمم بالأخذ بالدين المتفق عليه كان لقائل أن يقول : فلماذا نجدهم متفرقين ؟ فِأجاب بقوله : { وَمَا تفرقوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ } يعني أنهم ما تفرقوا إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلالة ، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة ، فحملتهم الحميَّة النَّفسانية الطبيعية{[49141]} ، على أن ذهبت{[49142]} كل طائفة إلى مذهب ، ودعوا الناس إليه ، وقبحوا ما سواه طالباً للذكر والرياسة فصار ذلك سبباً لوقوع الاختلاف .

ثم أخبر تعالى أنهم استحقوا العذاب بسبب هذا الفعل ، إلا أنَّه تعالى أخَّر عنهم ذلك العذاب لأن لكل عذاب عنده أجلاً مسمًّى ، أي وقتاً معلوماً وهذا معنى قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } . والأجل المسمَّى قد يكون في الدنيا ، وقد يكون في الآخرة ، واختلفوا في الذين أريدوا بهذه الصفة ، فقال ابن عباس والأكثرون : هم اليهود والنصارى{[49143]} ، لقوله تعالى في آل عمران : { وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ } [ آل عمران : 19 ] .

قوله في سورة «لم يكن » : { وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البينة } [ البينة : 4 ] . وقيل : هم العرب{[49144]} ، وهذا باطل ، لما تقدم ، لأن قوله تعالى بعد هذه الآية : { وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ }{[49145]} أي من بعد أنبيائهم . وقيل : من بعد الأمم الخالية { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } أي من كتابهم . وقيل من محمد صلى الله عليه وسلم{[49146]} و«مُرِيبٍ » صفة الشك ، أي لا يؤمنون به حق الإيمان .

قوله : «أُورِثُوا : قرأ زيد بن علي : وُرِّثُوا بالتشديد مبنياً للمفعول{[49147]} .


[49141]:كذا في ب وفي الرازي: الحمية النفسانية والأنفة الطبيعية.
[49142]:في ب والرازي ذهب وانظر الرازي السابق.
[49143]:ذكره الرازي في تفسيره 27/158 والقرطبي في الجامع 16/12.
[49144]:ولم يحدد الرازي من قال بهذا. انظر الرازي السابق.
[49145]:المراد بهم أهل الكتاب الذين في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانظر الرازي السابق.
[49146]:البغوي 6/119.
[49147]:من الشواذ غير المتواترات البحر المحيط 7/513 والسمين في الدر 4/749.