فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

ثم لما ذكر سبحانه ما شرعه لهم من إقامة الدين ، وعدم التفرق فيه ذكر ما وقع من التفرّق والاختلاف ، فقال : { وَمَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم } أي ما تفرّقوا إلاّ عن علم بأن الفرقة ضلالة ، ففعلوا ذلك التفرّق للبغي بينهم بطلب الرياسة وشدّة الحمية . قيل : المراد قريش هم الذين تفرّقوا بعد ما جاءهم العلم ، وهو : محمد صلى الله عليه وسلم { بَغِيّاً } منهم عليه ، وقد كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم بقوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ } [ فاطر : 42 ] الآية ، وبقوله : { فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] . وقيل : المراد أمم الأنبياء المتقدمين ، وأنهم فيما { بَيْنَهُمْ } اختلفوا لما طال بهم المدى ، فآمن قوم ، وكفر قوم . وقيل : اليهود والنصارى خاصة كما في قوله : { وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة } [ البينة : 4 ] { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } ، وهي تأخير العقوبة { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، وهو يوم القيامة كما في قوله : { بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ } [ القمر : 46 ] . وقيل : إلى الأجل الذي قضاه الله لعذابهم في الدنيا بالقتل ، والأسر ، والذلّ ، والقهر { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي لوقع القضاء بينهم بإنزال العقوبة بهم معجلة . وقيل : لقضي بين من آمن منهم ، ومن كفر بنزول العذاب بالكافرين ، ونجاة المؤمنين { وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب } من اليهود ، والنصارى { مّن بَعْدِهِمْ } من بعد من قبلهم من اليهود والنصارى { لَفِي شَكّ مّنْهُ } أي من القرآن ، أو من محمد { مُرِيبٍ } موقع في الريب ، ولذلك لم يؤمنوا . وقال مجاهد : معنى { من بعدهم } من قبلهم يعني : من قبل مشركي مكة ، وهم اليهود والنصارى . وقيل : المراد كفار المشركين من العرب الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم ، وصفهم بأنه في شك من القرآن مريب . قرأ الجمهور { أورثوا } وقرأ زيد بن عليّ ( ورثوا ) بالتشديد .

/خ18