تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (103)

البحيرة : الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن آخرُها ذكَر ، شقّوا أُذنها وخلّوا سبيلها فلا تُركب ولا تُحمّل .

السائبة : كان الرجل يقول إذا شُفيت من مرضي فناقتي سائبة ، ويجعلها مثل البحيرة .

الوصيلة : إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا فهو لآلهتهم ، وإذا ولدت توءماً ذكرا وأنثى قالوا : وصلتْ أخاها فلا يُذبح الذكر . الحامي : كان من عادتهم إذا نَتُج من صلب الفحل عشرة أبطن حرّموا ظهره ، ولم يمنعوه من ماءٍ ولا مرعى وقالوا حَمى ظَهْرَه .

بعد أن نهى الله تعالى في الآية السابقة عن السؤال عما لا لزوم له من الأمور ، ناسَبَ أن يبيَن هنا ضلال أهل الجاهلية وخرافاتهم فيما حرموه على أنفسهم ، فقال : { مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } بالمعنى المشروح أعلاه . فهذه الأمور كلها من بدع الجاهلية ، { ولكن الذين كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ على الله الكذب } ، أي يضعون من عندهم تقاليد وعادات ، ينسبونها إلى الله كذبا وزوراً .

قال ابن الكَلْبي في كتاب «الأصنام » : «كان أول من غيّر دين إسماعيل عليه السلام ، فنصب الأوثان وسيّب السائبة ، ووصَل الوصيلة ، وبحرَ البحيرة ، وحمى الحامي ، عمرو بن لِحْي الخُزاعي . فقد مرض مرضاً شديدا فقيل له إن بالبلقاء من الشام حَمّةً إنْ أتيتهَا بَرِئتَ . فأتاها ، فاستحمّ بها فبرئ . ووجد أهلَها يعبُدون الأصنام ، فقال : ما هذه ؟ فقالوا نستقي بها المطر ونستنصر بها على العدو . فسألهم أن يعطوه منها ، ففعلوا ، فقدم بها مكّة ونصَبَها حول الكعبة .

وقد روى ابن جرير عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخُزاعي : «يا أكثم ، رأيت عمرو بن لِحْي يجر قُصْبَهُ- يعني أمعاءه- في النار ، فما رأيتُ من رجلٍ أشبه برجُل منك به ، ولا به منك . فقال أكثم : أيضرني شَبَهُه يا نبي الله . قال : لا ، لأنك مؤمن وهو كافر ، وإنه أول من غيّر دينَ إسماعيل ، ونصب الأوثان وسيّب السوائب ، فيهم » أي في أهل الجاهلية .