تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ} (29)

يدينون دين الحق : يعتنقون الإسلام .

الجزية : الضريبة على الأشخاص لا على الأرض أو التجارة أو الماشية .

وهم صاغرون : أذلاء ، خاضعون .

بعد أن ذكر الله تعالى أحكام المشركين في إظهار البراءة من عهودهم ، وفي وجوب مقاتَلَتِهم وإبعادِهم عن المسجد ، جاء هنا بحُكم أهل الكتاب وبيان الغاية منه . وفي ذلك توطئةٌ للكلام عن غزوة تبوك والخروج إليها في زمن العُسرةِ وقتَ الحر الشديد في الصيف ، وما يتعلق بها من فضيحة المنافقين . ثم بعد ذلك بيّن انحراف اليهود والنصارى عن دِينهم الأصلي ، وأنهم اتّخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أرباباً من دون الله ، وأنهم يسعون في إبطال الإسلام ، وإخفاء الدلائل الدالة على صدق رسول الله وصحة دينه .

يا أيها الذين آمنوا ، قاتِلوا الكافرين من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إيماناً صحيحاً بالله ، ولا يقرّون بالبعث والجزاء إقرارً صحيحاً ، بل يقولون إن حياة الآخرة حياةٌ روحانية يكون فيها الناس كالملائكة . وهم لا يحرّمون ما نهى الله ورسوله عنه ، ولا يعتنقون الدين الحق وهو الإسلام . . . قاتِلوهم حتى يؤمنوا ، أو يؤدُّوا الجِزيةَ خاضعين طائعين .

والجزيةُ ضريبة مالية من أموال غير المسلمين المستظِلّين براية الإسلام ، وهي مقدار يتراوح بين اثني عشر درهما ، وثمانيةٍ وأربعين . وذلك ليُسهموا في ميزانية الدولة التي تحميهم في أنفسِهم وأموالهم وأعراضهم . فهي في مقابل ما يؤخذ من المسلم ، فالمسلم يُؤخَذ منه خُمس الغنائم ، والزكاة ، وصدقة الفطر ، وغير ذلك مثل الكفّارات للذنوب المختلفة . وتنفق الجزية في المصالح العامة ، وعلى فقراء أهل الذمة أيضا .

وتفرض الجزية على أهل الكتاب ، ولا تُفرض على المشركين . هكذا عند جمهور العلماء . ويقرر أبو حنيفة أنها تفرض على غير المسلمين جميعا ، أما المشركون الذين لا تقبل منهم فهم مشركو العرب فقط .

وفيما يلي عهد كتبه أحد أمراء عمر بن الخطاب إلى مَرزُبان وأهل دهستان .

«هذا كتاب سويد بن مقرن لمرزبان بن صول بن رزبان وأهل دهستان . وسائر أهل جرجان أن لكم الذمة وعليكم المنعة ، على أن عليكم من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حالم ، ومن استعنّا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضا عن جزائه ، ولكم الأمان على أنفسكم وأموالكم ومللكم وشرائعكم ولا يغير شيء من ذلك » .

شهد بذلك سواد بن قطبة ، وهند بن عمر ، وسماك بن مخزمة وعتيبة بن النهاس .