بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ} (29)

قوله تعالى :

{ قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } ، يعني : لا يصدقون بتوحيد الله ، { وَلاَ باليوم الآخر } بالبعث بعد الموت ، { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ } ، في التوراة والإنجيل والقرآن ، { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق } ، يقول : لا يخضعون لدين الحق ، ولا يقرون بشهادة لا إله إلا الله . ومعناه لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين ، لأن أهل الكتاب كانوا يقرون بالله ، ولكنهم قالوا : لله ولد ؛ وأقروا بالبعث ، ولكنهم لا يقرون لأهل الجنة بالنعمة ، لأنهم لا يقرون بالأكل والشرب والجماع . فليس يدينون دين الحق ، يعني : دين الإسلام ؛ ويقال : دين الله تعالى ، لأن الله تعالى هو الحق ، فأمر الله تعالى بقتلهم إلا أن يعطوا الجزية . وهو قوله تعالى : { حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون } ؛ قال بعضهم : عن قهر وذلّ ، كما يقال : اليد في هذا لفلان ، يعني : الأمر النافذ لفلان . ويقال : { عَن يَدٍ } ، يعني : عن إنعام عليهم بذلك ، لأن قبول الجزية وترك أنفسهم يد ونعمة عليهم . ويقال : عن اعتراف المسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم . ويقال : { عَن يَدٍ } يعني : عن قيام يمشون بها صاغرين تؤخذ من أيديهم . وقال الأخفش : يعني : كرهاً . { وَهُمْ صاغرون } ، يعني : ذليلين .

قال الفقيه : قتال الكفار على ثلاثة أنواع : في وجه ، يقاتلون حتى يسلموا ولا يقبل منهم إلا الإسلام ، وهم مشركو العرب والمرتدون من الأعراب أو من غيرهم ؛ وفي وجه آخر ، يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ؛ وهم اليهود والنصارى والمجوس ؛ فأما اليهود والنصارى بهذه الآية ، وأما المجوس بالخبر ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : « سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ » وفي الوجه الثالث ، واختلفوا فيه ، وهم المشركون من غير العرب وغير أهل الكتاب ، مثل الترك والهند ونحو ذلك ، في قول الشافعي : لا يجوز أخذ الجزية منهم ، وفي قول أبي حنيفة وأصحابه : يجوز أخذ الجزية منهم ، كما يجوز من المجوس ، لأنهم من غير العرب .