الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

قوله تعالى : " إن تكفروا فإن الله غني عنكم " شرط وجوابه . " ولا يرضى لعباده الكفر " أي أن يكفروا أي لا يحب ذلك منهم . وقال ابن عباس والسدي : معناه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، وهم الذين قال الله فيهم : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " [ الإسراء : 65 ] . وكقوله : " عينا يشرب بها عباد الله " [ الإنسان : 6 ] أي المؤمنون . وهذا على قول من لا يفرق بين الرضا والإرادة . وقيل : لا يرضى الكفر وإن أراده ، فالله تعالى يريد الكفر من الكافر وبإرادته كفر لا يرضاه ولا يحبه ، فهو يريد كون ما لا يرضاه ، وقد أراد الله عز وجل خلق إبليس وهو لا يرضاه ، فالإرادة غير الرضا . وهذا مذهب أهل السنة .

قوله تعالى : " وإن تشكروا يرضه لكم " أي يرضى الشكر لكم ؛ لأن " تشكروا " يدل عليه . وقد مضى القول في الشكر في " البقرة " وغيرها .

ويرضى بمعنى يثيب ويثني ، فالرضا على هذا إما ثوابه فيكون صفة فعل " لئن شكرتم لأزيدنكم " [ إبراهيم : 7 ] وإما ثناؤه فهو صفة ذات . و " يرضه " بالإسكان في الهاء قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وشيبة وهبيرة عن عاصم . وأشبع الضمة ابن ذكوان وابن كثير وابن محيصن والكسائي وورش عن نافع . واختلس الباقون . " ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور " قد تقدم في غير موضع .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

يخاطب الله عموم الناس مبينا لهم أنهم إن يكفروا فإن الله غني عنهم وعن إيمانهم وأعمالهم . وهو سبحانه لا يرضى لهم أن يكفروا به ، رحمة لهم ؛ لأن الكفر يفضي بهم إلى الهلكة والخسران .

قوله : { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } أي إن تؤمنوا بالله وتطيعوه وتذكروا نعمته عليكم فإنه يرضى ذلك لكم ؛ لأنه سبب نجاتكم وفلاحكم ؛ فالله جل جلاله لم يكره كفركم ولم يرض شكركم إلا من أجلكم ولما في ذلك من صلاح لكم .

قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس آثمة أخرى غيرها ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها . أو أن على كل نفس ما جَنَتْ وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها .

قوله : { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ثم إنكم أيها الناس راحلون عن حياتكم الدنيا فصائرون إلى الله يوم القيامة فيخبركم يومئذ بكل ما اجترحتموه من السيئات والحسنات أو من الخير والشر { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الله يعلم ما يستكنُّ في القلوب من خفايا وأسرار ؛ فهو سبحانه عليم بكل شيء ولا يخفى عن علمه وإحاطته أيُّما شيء .