لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

قوله جل ذكره : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } .

سَوّقٌ ولكن بغير تعبٍ ولا نَصَبٍ ، سَوْقٌ ولكن برَوْحٍ وطَرَبٍ .

" زمراً " جماعاتٍ ، وهؤلاء هم عوامُّ أهل الجنة ، وفوق هؤلاء : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلى الرَّحْمَانِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] وفوقهم مَنْ قال فيهم : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ }

[ ق : 31 ] وفَرْقٌ بين مَنْ يُسَاقُ إلى الجنة ، وبين مَنْ تُقَرَّبُ منه الجنة . . . هؤلاء الظالمون ، والآخرون المقتصدون ، والآخرون السابقون .

{ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا . . . } وإذا وافوا الجنة تكون الأبوابُ مُفَتَّحَةً لئلا يصيبهم نَصَبُ الانتظار .

ويقال إذا كان حديث الجنة فالواجب أن يبادر إليها ولا يحتاج أن يُسَاق ، ولعلَّ هؤلاء لا رغبةَ لهم في الجنة بكثير ؛ فَلهُم معه في الطريق قُولُ { طِبْتُمْ } ؛ أي أنهم يُساقون إلى الجنة بلطف دون عنف .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

قوله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ( 73 ) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 74 ) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .

بعد الإخبار عن سوْق المجرمين الأشقياء إلى جهنم وهم تزجرهم الملائكة زجرا وتدعُّعهم إلى نار جهنم دعّا ، ذليلين مذعورين عِطاشا – يخبر عقب ذلك عن السعداء الفائزين ، وهم المؤمنون المتقون ؛ إذ يساقون إلى الجنة زمرا ؛ أي جماعة بعد جماعة ، أولهم المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم . فالنبيون مع النبيين ، والصدِّيقون مع الصدِّيقين ، والشهداء مع الشهداء ، والعلماء مع نظرائهم ، فيساق الجميع مكرمين مبجلين وهم تحفُّهم ملائكة الرحمة من كل جانب حتى يبلغوا الجنة { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } جواب إذا محذوف وتقديره : حتى إذا جاءوها فازوا ونعموا{[3999]} والمعنى : حتى إذا وصلوا الجنة وقد فتحت لهم أبوابها إكراما وتعظيما وتلقتهم الملائكة بالبشرى والسلام والثناء – فازوا فوزا عظيما ووجدوا من البشائر والمسرات وأوجه النعم وطيب العيش والمقام ما لم يخطر على بال أحد . أما إثبات الواو في سَوْق أهل الجنة عند قوله : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } فقد دل على أن الجنة كانت مُفتّحة قبل أن يجيئها المؤمنون . أما حذفها في سَوْق أهل النار فيدل على أنها كانت مغلقة . وقيل : إنها واو الثمانية . فقد كان من عادة قريش أن يعدّوا من الواحد فيقولون : خمسة ستة سبعة وثمانية . أي إذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية . والمعنى الأول أظهر .

قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } تحييهم الملائكة وهم خزنة الجنة بالسلام والإكرام ويقولون لهم في تودد ورحمة : طابت أعمالكم وأقولكم وطاب سعيكم وطابت عاقبتكم وما كتب الله لكم من حسن الجزاء { فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } أي ماكثين فيها ، لابثين لا تخرجون ولا تبرحون .


[3999]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 327