لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

قوله جلّ ذكره : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فََأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } .

كان عالماً بأنه : { لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } فأمره بالثبات عليها ؛ قال ( ص ) : " أنا أعلمكم بالله ، وأخشاكم له " .

ويقال : كيف قيل له : { . . . فَاعْلَمْ } ولم يقل : عَلِمْتُ ، وإبراهيم قيل له : { أَسْلِمْ } [ البقرة : 131 ] فقال : " سلمت . . . " ؟ فيُجاب بأن إبراهيمَ لمَّا قال " اسلمت " ابْتُلِيَ ، ونبيَّنا صلى الله عليه وسلم لم يقل : علمت فعُوفِيَ .

وإبراهيم عليه السلام أتى بَعْدَه شَرْع كَشَف َ سِرَّه ، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بعدَه شرعٌ . ويقال : نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أخبر الحقُّ عنه بقوله : { آمَنَ الرَّسُولُ . . . } [ البقرة : 285 ] والإيمان هو العلم- وإخبارُ الحقِّ سبحانه عنه أَتَمُّ من إخباره بنفسه عن نفسه : " عَلِمْتُ " .

ويقال : فرقٌ بين موسى عليه السلام لمَّا احتاج إلى زيادةِ العلم فأُحيلَ على الخضر ، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال له : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] . . . فكم بين مَنْ أُحيلَ في استزادة العلم على عَبْدٍ وبين مَنْ أمِرَ باستزادة العلم من الحق ! ! .

ويقال لمَّا قال له : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } كان يأمره بالانقطاع إليه عن الخَلْق ، ثم بالانقطاع منه - أي من الرسول - إليه . . . أي إلى الحق سبحانه . والعبدُ إذا قال هذه الكلمةَ على سبيلِ العادةِ والغفلةِ عن الحقيقة - أي كان بصفة النسيان - فليس لقوله كثيرُ قيمةٍ ؛ كأن تُقال عند التعجب من شيء . . . فليس لهذا قَدْرٌ . أمَّا إذا قالها مخلصاً فيها ، ذاكراً لمعناها ، متحققاً بحقيقتها . . . فإنْ كان بنفسه فهو في وطن التفرقة . . . وعندهم هذا من الشِّرْكِ الخفِّي ، وإن قالها بحقٍّ فهو الإخلاص . فالعبد يعلم أولاً ربَّه بدليل وحُجَّةٍ ؛ فعِلْمُه بنفسه كَسْبيٌّ . . . وهو أصل الأصول ، وعليه ينبني كل علم استدلالي ! ثم تزداد قوةُ علمه بزيادة البيان وزيادة الحجج ، ويتناقص علمُه بنفسه لغَلَبَاتِ ذِكْرِ اللَّهِ على القلب . فإذا انتهى إلى حال المشاهدة ، واستيلاء سلطان الحقيقة عليه صار عِلْمُه في تلك الحالة ضرورياً . ويقلُّ إحساسُه بنفسه حتى يصير علمه بنفسه كالاستدلاليّ وكأنه غافلٌ عن نفسه أو ناسٍ لنفسه .

ويقال : الذي على البحر يغلب عليه ما يأخذه من رؤية البحر ، فإذا ركب البحر قويت هذه الحالة ، حتى إذا غرق في البحر فلا إحساسَ له بشيء سوى ما هو مستغرقٌ فيه ومستهلك .

{ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } : أي إذا عَلِمْتَ أنك علمت فاستغفِرْ لذنبك من هذا ؛ فإن الحقَّ - على جلال قدْرِه - لا يعلمه غيره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

قوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } قيل : الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ، وقيل : معناه فاثبت عليه . وقال الحسين بن الفضل : فازدد علماً على علمك . وقال أبو العالية وابن عيينة : هو متصل بما قبله معناه : إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله . وقيل : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، إن الممالك تبطل عند قيامها ، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله ، { واستغفر لذنبك } أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي بردة ، عن الأغر المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة " . قوله عز وجل : { وللمؤمنين والمؤمنات } هذا إكراما من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ، { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } قال ابن عباس والضحاك : ( متقلبكم ) متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ، { ومثواكم } مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار . وقال مقاتل وابن جرير : { متقلبكم } منصرفكم لأشغالكم بالنهار ، { ومثواكم } مأواكم إلى مضاجعكم بالليل . وقال عكرمة :( متقلبكم ) من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات . ( ومثواكم ) مقامكم في الأرض . وقال ابن كيسان : ( متقلبكم ) من ظهر إلى بطن ، ( ومثواكم ) مقامكم في القبور . والمعنى : أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها .