لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

قوله جل ذكره : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

أهلُ السماواتِ يسألون أبداً المغفرة ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرَة ، أي لا بُدَّ لأحدٍ منه ( سبحانه ) .

وفي السماوات والأرض مَنْ لا يسأله : وهم مَنْ قيل فيهم : " مَنْ شَغَلَه ذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أُعطي السائلين " .

ويقال : ليس كلُّ مَنْ في السماواتِ والأرض يسألونه مِمَّا في السماوات والأرض ولكن :

بين المحبين سِرُّ ليس يُغْشيه *** قَوْلٌ ولا قَلَمٌ للخَلْق يحكيه

{ كُلَّ يَومٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } مِنْ إحياء وإماتة ، وقبض قوم وبَسْطِ قومٍ . . . وغير ذلك من فنون أقسام المخلوقات ، وما يُجْريه عليها من اختلاف الصفات .

وفي الآية ردُّ على اليهود حيث قالوا : إنَّ اللَّهَ يستريح يومَ السبت لا يفعل شيئاً ، فأخبر أنه كل يوم هو في شأن ، ولو أُخْلِيَ العالَم لحظةً من حِفْظِه لتلاشى وبَطُلَ .

( ومن شأنه أن يغفرَ ذنباً ، ويَسْتُرَ عيباً ، ويُذْهِبَ كرباً ) ، ويُطَيِّبُ قلباً ، ويُقْصِي عَبْداً ويُدْنِي عبداً . . . إلى غير ذلك من فنون الأفعال . وله مع عباده كلَّ ساعَةٍ بِرٌّ جديدٌ ، وسِرٌّ بينه وبين عبده - عن البقاء - بعيد .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ سَوْقِ المقادير إلى أوقاتها .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ إظهارِ مستورٍ وسَتْرِ ظاهرٍ ، وإحضارِ غائبٍ وتغييبِ حاضرٍ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* يسأله من في السماوات والأرض } من ملك وإنس وجن . وقال قتادة : معناه لا يستغني عنه أهل السماء والأرض . قال ابن عباس : فأهل السماوات يسألونه المغفرة ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والتوبة والمغفرة . وقال مقاتل : يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة ، وتسأله الملائكة أيضاً لهم الرزق والمغفرة . { كل يوم هو في شأن } قال مقاتل : نزلت في اليهود حين قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا . قال المفسرون : من شأنه أن يحيي ويميت ، ويرزق ، ويعز قوماً ، ويذل قوماً ، ويشفي مريضاً ، ويفك عانياً ويفرج مكروباً ، ويجيب داعياً ، ويعطي سائلاً ، ويغفر ذنباً إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء . أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكي إملاءًه ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزار ، أنبأنا يحيى بن الربيع المكي ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، أنبأنا أبو حمزة اليماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن مما خلق الله عز وجل لوحاً من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ، ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله : { كل يوم هو في شأن } . قال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة ، فالشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا : الإختبار بالأمر والنهي ، والإحياء والإماتة ، والإعطاء والمنع ، وشأن يوم القيامة : الجزاء والحساب ، والثواب والعقاب . وقيل : شأنه جل ذكره أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر ، عسكراً من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكراً من الدنيا إلى القبور ، ثم يرتحلون جميعاً إلى الله عز وجل . قال الحسين بن الفضل : هو سوق المقادير إلى المواقيت . وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية : كل يوم له إلى العبيد بر جديد .