في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

21

والنص القرآني يصور الريح حية مدركة مأمورة بالتدمير : ( تدمر كل شيء بأمر ربها )وهي الحقيقة الكونية التي يحفل القرآن بإشعارها للنفوس . فهذا الوجود حي . وكل قوة من قواه واعية . وكلها تدرك عن ربها وتتوجه لما تكلف به من لدنه . والإنسان أحد هذه القوى . وحين يؤمن حق الإيمان ، ويفتح قلبه للمعرفة الواصلة ، يستطيع أن يعي عن القوى الكونية من حوله ، وأن يتجاوب معها ، وأن تتجاوب معه ، تجاوب الأحياء المدركة ، بغير الصورة الظاهرة التي يعرفها الناس من الحياة والإدراك . ففي كل شيء روح وحياة ، ولكننا لا ندرك هذا لأننا محجوبون بالظواهر والأشكال عن البواطن والحقائق . والكون من حولنا حافل بالأسرار المحجوبة بالأستار ، تدركها البصائر المفتوحة ولا تراها الأبصار .

وقد أدت الريح ما أمرت به ، فدمرت كل شيء ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) . . أما هم وأما أنعامهم وأما أشياؤهم وأما متاعهم فلم يعد شيء منه يرى . إنما هي المساكن قائمة خاوية موحشة ، لا ديار فيها ولا نافخ نار . . ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) . . سنة جارية وقدر مطرد في المجرمين .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيۡءِۭ بِأَمۡرِ رَبِّهَا فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (25)

قوله : { تدمر كل شيء بأمر ربها } أي تهلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات بإذن الله وتقديره . فما يكون من عقاب ولا عذاب ولا جزاء إلا بإرادة الله القادر .

قوله : { فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم } دمرت عليهم الريح العاتية تدميرا فجعلتهم صرعى وأمالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوما{[4215]} فباتوا بعد ذلك أثرا بعد عين ، فأصبحوا لا يرى منهم أحد إلا مساكنهم الخاوية ، فبادوا جميعا ولم تبق منهم باقية . من أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه الكراهية خشية أن يكون ذلك عذابا لا رحمة . وكان يقول : " مايؤمنني أن يكون فيه عذاب . قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب وقالوا هذا عارض ممطرنا " وروى مسلم في صحيحه عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به . وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " .

قوله : { كذلك نجزي القوم المجرمين } الكاف في اسم الإشارة في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ، أي مثل هذا العقاب يعاقب الله الظالمين العتاة الذين فسقوا عن أمر الله{[4216]} .


[4215]:الحسوم: الشؤم. انظر مختار الصحاح ص 136.
[4216]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 161 وتفسير القرطبي جـ 16 ص 206- 208 وتفسير الطبري جـ 26 ص 16، 17 وتفسير الرازي جـ 28 ص 28.