في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

180

ثم يجيء الإيقاع الأخير ، في نداء الله للذين آمنوا ، وتلخيص أعباء المنهج ، وشرط الطريق :

( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ، وصابروا ، ورابطوا ، واتقوا الله لعلكم تفلحون ) . .

إنه النداء العلوي للذين آمنوا . نداؤهم بالصفة التي تربطهم بمصدر النداء . والتي تلقي عليهم هذه الأعباء . والتي تؤهلهم للنداء وتؤهلهم للأعباء ، وتكرمهم في الأرض كما تكرمهم في السماء :

( يا أيها الذين آمنوا ) .

النداء لهم . للصبر والمصابرة ، والمرابطة ، والتقوى . .

وسياق السورة حافل بذكر الصبر وبذكر التقوى . . يذكر إن مفردين ، ويذكر إن مجتمعين . . وسياق السورة حافل كذلك بالدعوة إلى الاحتمال والمجاهدة ودفع الكيد وعدم الاستماع لدعاة الهزيمة والبلبلة ، ومن ثم تختم السورة بالدعوة إلى الصبر والمصابرة ، وإلى المرابطة والتقوى ، فيكون هذا أنسب ختام .

والصبر هو زاد الطريق في هذه الدعوة . إنه طريق طويل شاق ، حافل بالعقبات والأشواك ، مفروش بالدماء والأشلاء ، وبالإيذاء والابتلاء . . الصبر على أشياء كثيرة : الصبر على شهوات النفس ورغائبها ، وأطماعها ومطامحها ، وضعفها ونقصها ، وعجلتها وملالها من قريب ! والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم ، وانحراف طباعهم ، وأثرتهم ، وغرورهم ، والتوائهم ، واستعجالهمللثمار ! والصبر على تنفج الباطل ، ووقاحة الطغيان ، وانتفاش الشر ، وغلبة الشهوة ، وتصعير الغرور والخيلاء ! والصبر على قلة الناصر ، وضعف المعين ، وطول الطريق ، ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق ! والصبر على مرارة الجهاد لهذا كله ، وما تثيره في النفس من انفعالات متنوعة . من الألم والغيظ ، والحنق ، والضيق ، وضعف الثقة أحيانا في الخير ، وقلة الرجاء أحيانا في الفطرة البشرية ؛ والملل والسأم واليأس أحيانا والقنوط ! والصبر بعد ذلك كله على ضبط النفس في ساعة القدرة والانتصار والغلبة ، واستقبال الرخاء في تواضع وشكر ، وبدون خيلاء وبدون اندفاع إلى الانتقام ، وتجاوز القصاص الحق إلى الاعتداء ! والبقاء في السراء والضراء على صلة بالله ، واستسلام لقدره ، ورد الأمر إليه كله في طمأنينة وثقة وخشوع . .

والصبر على هذا كله - وعلى مثله - مما يصادف السالك في هذا الطريق الطويل . . لا تصوره حقيقة الكلمات . فالكلمات لا تنقل المدلول الحقيقي لهذه المعاناة . إنما يدرك هذا المدلول من عانى مشقات الطريق ؛ وتذوقها انفعالات وتجارب ومرارات !

والذين آمنوا كانوا قد ذاقوا جوانب كثيرة من ذلك المدلول الحقيقي . فكانوا أعرف بمذاق هذا النداء . كانوا يعرفون معنى الصبر الذي يطلب الله إليهم أن يزاولوه . .

والمصابرة . . وهي مفاعلة من الصبر . . مصابرة هذه المشاعر كلها ، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلوا من صبر المؤمنين . . مصابرتها ومصابرتهم ، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة . بل يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى : أعدائهم من كوامن الصدور ، وأعدائهم من شرار الناس سواء . فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم ، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر ، والدفع بالدفع ، والجهد بالجهد ، والإصرار بالإصرار . . ثم تكون لهم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء . وإذا كان الباطل يصر ويصبر ويمضي في الطريق ، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصرارا وأعظم صبرا على المضي في الطريق !

والمرابطة . . الإقامة في مواقع الجهاد ، وفي الثغور المعرضة لهجوم الأعداء . . وقد كانت الجماعة المسلمة لا تغفل عيونها أبدا ، ولا تستسلم للرقاد ! فما هادنها أعداؤها قط ، منذ أن نوديت لحمل أعباء الدعوة ، والتعرض بها للناس . وما يهادنها أعداؤها قط في أي زمان أو في أي مكان وما تستغني عن المرابطة للجهاد ، حيثما كانت إلى آخر الزمان !

إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي . منهج يتحكم في ضمائرهم ، كما يتحكم في أموالهم ، كما يتحكم في نظام حياتهم ومعايشهم . منهج خير عادل مستقيم . ولكن الشر لا يستريح للمنهج الخير العادل المستقيم ؛ والباطل لا يحب الخير والعدل والاستقامة ؛ والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة . . ومن ثم ينهد لهذه الدعوة أعداء من أصحاب الشر والباطل والطغيان . ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الاستنفاع والاستغلال . وينهد لحربها الطغاة المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الطغيان والاستكبار . وينهد لحربها المستهترون المنحلون ، لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن الانحلال والشهوات . . ولا بد من مجاهدتهم جميعا . ولا بد من الصبر والمصابرة . ولا بد من المرابطة والحراسة . كي لا تؤخذ الأمة المسلمة على غرة من أعدائها الطبيعيين ، الدائمين في كل أرض وفي كل جيل . .

هذه طبيعة هذه الدعوة ، وهذا طريقها . . إنها لا تريد أن تعتدي ؛ ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم . . وهي واجدة أبدا من يكره ذلك المنهج وهذا النظام . ومن يقف في طريقها بالقوة والكيد . ومن يتربص بها الدوائر . ومن يحاربها باليد والقلب واللسان . . ولا بد لها أن تقبل المعركة بكلتكاليفها ، ولا بد لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظة ولا تنام ! !

والتقوى . . التقوى تصاحب هذا كله . فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل ؛ ويحرسه أن يضعف ؛ ويحرسه أن يعتدي ؛ ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك .

ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق ؛ ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات وشتى اللحظات . .

إنه الإيقاع الأخير في السورة التي حوت ذلك الحشد من الإيقاعات . وهو جماعها كلها ، وجماع التكاليف التي تفرضها هذه الدعوة في عمومها . . ومن ثم يعلق الله بها عاقبة الشوط الطويل وينوط بها الفلاح في هذا المضمار :

( لعلكم تفلحون ) .

وصدق الله العظيم . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

ثم ختم الله تعالى السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء ، والفوز بنعيم الآخرة ، فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات ، وأمر بالمصابرة فقيل : معناه مصابرة الأعداء ، قاله زيد بن أسلم ، وقيل معناه : مصابرة وعد الله في النصر ، قاله محمد بن كعب القرظي : أي لا تسأموا وانتظروا الفرج ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انتظار الفرج بالصبر عبادة »{[3817]} ، وكذلك اختلف المتأولون في معنى قوله { ورابطوا } فقال جمهور الأمة معناه : رابطوا أعداءكم الخيل ، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم ، ومنه قوله عز وجل : { ومن رباط الخيل }{[3818]} ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة{[3819]} ، وقد كتب إليه يذكر جموع الروم ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن شدة ، جعل الله بعدها فرجاً ، ولن يغلب عسر يسرين{[3820]} ، وأن الله تعالى يقول في كتابه : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } الآية ، وقد قال أبو سلمة بن عبد الرحمن{[3821]} : هذه الآية هي في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، واحتج بحديث علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يحط الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ){[3822]} .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله أصلها من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطاً ، فارساً كان أو راجلاً ، واللفظة مأخوذة من الربط ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : فذلك الرباط إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله ، إذ انتظار الصلاة إنما هو سبيل من السبل المنجية ، والرباط اللغوي هو الأول ، وهذا كقوله : ( ليس الشديد بالصرعة ){[3823]} : كقوله : ( ليس المسكين بهذا الطواف ) {[3824]} إلى غير ذلك من الأمثلة ، والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء : هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ، قاله ابن المواز ورواه ، فأما سكان الثغور دائماً بأهليهم الذي يعتمرون ويكتسبون هنالك ، وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين{[3825]} .

وقوله : { لعلكم تفلحون } ترجّ في حق البشر .


[3817]:- أخرجه القضاعي عن ابن عمر وعن ابن عباس، "وهو ضعيف"، "الجامع الصغير" 1/366.
[3818]:- من الآية (60) من سورة الأنفال.
[3819]:- هو أبو عبيدة بن الجراح: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، مشهور بكنيته، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا وما بعدها، أرسله صلى الله عليه وسلم مع وفد اليمن ليعلمهم دينهم، وكان فتح أكثر الشام على يده، آخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ، وكان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: (لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة). توفي سنة: 18 (الإصابة 2/252).
[3820]:- أخرجه الحاكم في مستدركه عن الحسن مرسلا، وهو حسن، (الجامع الصغير 2/364).
[3821]:- هو أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف الزهري المدني الحافظ، اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله، من كبار أئمة التابعين، غزير العلم، ثقة، كان يتفقه ويناظر ابن عباس ويراجعه، روى عن أبيه يسيرا وعن عثمان، وأبي قتادة، وعائشة، وأبي هريرة، وغيرهم، وروى عنه سالم أبو النضر، وأبو الزناد، والزهري، ويحيى بن سعيد، وغيرهم، توفي سنة 94، وقيل: 104.
[3822]:- أخرجه ابن المبارك، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق داود قال: قال أبو سلمة. وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي أيوب وعن أبي سلمة. وأخرجه ابن جرير وابن حبان عن جابر. وأخرجه ابن جرير كذلك عن علي. وأخرجه مالك والشافعي وعبد الرزاق وأحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة، (الدر المنثور 2/114. وابن كثير 1/444).
[3823]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم عن أبي هريرة، وهو صحيح. (الجامع الصغير 2/ 388).
[3824]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة، وهو صحيح، (الجامع الصغير 2/ 389).
[3825]:- وردت أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل المرابطة في ثغور المسلمين، وحمايتها من الكفار- فقد روى البخاري (6/63) عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها). وروى الإمام أحمد عن فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر). ورواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

ختمت السورة بوصاية جامعة للمؤمنين تجدّد عزيمتهم وتبعث الهمم إلى دوام الاستعداد للعدوّ كي لا يثبّطهم ما حصل من الهزيمة ، فأمَرَهم بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال ، ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر ، وهذا أشدّ الصبر ثباتاً في النفس وأقربه إلى التزلزل ، ذلك أنّ الصبر في وجه صابرٍ آخر شديد على نفس الصابر لما يلاقيه من مقاومة قِرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه ، ثم إنّ هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتّى يملّ قرنه فإنّه لا يجتني من صبره شيئاً ، لأنّ نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً ، كما قال زُفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام :

سَقَيْنَاهُم كَأساً سقَوْنا بِمِثْلِها *** ولكنَّهم كانوا على الموت أَصْبَرا

فالمصابرة هي سبب نجاح الحرب كما قال شاعر العرب الذي لم يعرف اسمه :

لا أنت معتادُ في الهيجا مُصابَرةٍ *** يَصْلى بها كلّ من عاداك نيراناً

وقوله : { ورابطوا } أمر لهم بالمرابطة ، وهي مفاعلة من الرّبْط ، وهو ربط الخيل للحراسة في غير الجهاد خشية أن يفجأهم العدوّ ، أمر الله به المسلمين ليكونوا دائماً على حذر من عدوّهم تنبيهاً لهم على ما يكيد به المشركون من مفاجأتهم على غِرّة بعد وقعة أُحُد كما قدّمناه آنفاً ، وقد وقع ذلك منهم في وقعة الأحزاب فلمّا أمرهم الله بالجهاد أمرهم بأن يكونوا بعد ذلك أيقاظاً من عدوّهم . وفي كتاب الجهاد من « البخاري » : بابُ فضل رباط يوم في سبيل الله وقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } إلخ . وكانت المرابطة معروفة في الجاهلية وهي ربط الفرس للحراسة في الثغور أي الجهات التي يستطيع العدوّ الوصول منها إلى الحيّ مثل الشعاب بين الجبال . وما رأيت مَن وصف ذلك مثل لبيد في معلّقته إذ قال :

ولَقد حَمَيْتُ الحَيّ تَحْمِل شِكَّتي *** فُرُط وِشَاحِي إذْ غَدَوْتُ لجامُها

فَعَلَوْتُ مُرْتَقَبَا على ذي هَبْوَةٍ *** حَرِج إلى إعلامهن قَتَامُـــها

حَتَّى إذا ألْقَتْ يداً في كافــر *** وأجَنّ عَوْرَاتِ الثُّغورِ ظلامُها

فذكر أنّه حرس الحيّ على مكان مرتقَب ، أي عال بربط فرسه في الثغر . وكان المسلمون يرابطون في ثغور بلاد فارس والشام والأندلس في البَرّ ، ثم لمّا اتّسع سلطان الإسلام وامتلكوا البحار صار الرباط في ثغور البخار وهي الشطوط التي يخشى نزول العدوّ منها : مثل رباط المنستير بتونس بإفريقية ، ورباط سلا بالمغرب ، ورُبط تونس ومحارسها : مثل مَحْرس علي بن سالم قرب صفاقس . فأمر الله بالرباط كما أمر بالجهاد بهذا المعنى وقد خفي على بعض المفسّرين فقال بعضهم : أراد بقوله : { ورابطوا } إعداد الخيل مربوطة للجهاد ، قال : ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو في الثغور . وقال بعضهم : أراد بقوله : { ورابطوا } انتظار الصلاة بعد الفراغ من التي قبلها ، لما روى مالك في « الموطأ » ، عن أبي هريرة : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وقال : " فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط " ونُسب هذا لأبي سلمة بن عبد الرحمن . قال ابن عطية : والحقّ أن معنى هذا الحديث على التشبيه ، كقوله : " ليس الشديد بالصرعة " وقوله : " ليس المسكين بهذا الطّواف الذي تردّه اللقمة واللقمتان " ، أي وكقوله صلى الله عليه وسلم " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " .

وأعقب هذا الأمر بالأمر بالتقوى لأنّها جماع الخيرات وبها يرجى الفلاح .