في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر مكية وآياتها خمس

الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال . ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى . ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته ، وفي دلالته ، وفي آثاره في حياة البشرية جميعا . العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري :

1

والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ) . . والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان ، كما ورد في سورة البقرة : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . . أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليبلغه إلى الناس . وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتحنث في غار حراء .

وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة . بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان . وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين . وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة . وبعضها يطلقها في رمضان كله . فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار .

واسمها : ( ليلة القدر ) . . قد يكون معناه التقدير والتدبير . وقد يكون معناه القيمة والمقام . وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم . حدث القرآن والوحي والرسالة . . وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود . وليس أدل منه كذلك على التقدير والتدبير في حياة العبيد .

وهي خير من ألف شهر . والعدد لا يفيد التحديد . في مثل هذه المواضع من القرآن . إنما هو يفيد التكثير . والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر . فكم من آلاف الشهور وآلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحولات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر

مكية ، وآياتها خمس .

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } يعني القرآن ، كناية عن غير مذكور ، أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، فوضعه في بيت العزة ، ثم كان ينزل به جبريل عليه السلام نجوماً في عشرين سنة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر

مكية وآياتها 5 نزلت بعد عبس

اختلف الناس في ليلة القدر على ستة عشر قولا ، وهي : أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، وليلة ثلاث وعشرين ، وليلة خمس وعشرين ، وليلة سبع وعشرين ، وليلة تسع وعشرين ، فهذه خمسة أقوال في ليالي الأوتار من العشر الأواخر من رمضان على قول من ابتدأ عدتها من أول العشر ، وقد ابتدأ بعضهم عدتها من آخر الشهر ، فجعل ليالي الأوتار ليلة ثلاثين لأنها الأولى ، وليلة ثمان وعشرين لأنها الثانية ، وليلة ستة وعشرين لأنها الخامسة ، وليلة أربع وعشرين لأنها السابعة ، وليلة اثنين وعشرين لأنها التاسعة ، فهذه خمسة أقوال أخر فتلك عشرة أقوال ، والقول الحادي عشر : أنها تدور في العشر الأواخر ولا تثبت في ليلة واحدة منه . الثاني عشر : أنها مخفية في رمضان كله . وهذا ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم : " التمسوها في العشر الأواخر " . الثالث عشر : أنها مخفية في العام كله . الرابع عشر أنها ليلة النصف من شعبان وهذان القولان باطلان ؛ لأن الله تعالى قال : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقال : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185 ] فدل ذلك على أن ليلة القدر في رمضان . القول الخامس عشر : أنها رفعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ضعيف . القول السادس عشر أنها ليلة سبعة عشر من رمضان ؛ لأن وقعة بدر كانت صبيحة هذه الليلة ، وأرجح الأقوال أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، أو ليلة ثلاث وعشرين ، أو ليلة سبع وعشرين ، فقد جاءت في هذه الليالي الثلاث أحاديث صحيحة خرجها مسلم وغيره ، والأشهر أنها ليلة سبع وعشرين .

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } الضمير في أنزلناه للقرآن دل على ذلك سياق الكلام ، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته ، والاستغناء عن تسميته .

والثاني : أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات .

والثالث : أن الله أسند إنزاله إلى نفسه ، وفي كيفية إنزاله في ليلة القدر قولان :

أحدهما : أنه ابتدأ إنزاله فيها .

والآخر : أنه أنزل القرآن فيها جملة واحدة إلى السماء ، ثم نزل به جبريل إلى الأرض بطول عشرين سنة .

وقيل : المعنى أنزلناه في شأن ليلة القدر وذكرها ، وهذا ضعيف ، وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها ، أو من القدر بمعنى الشرف ، ويترجح الأول بقوله : { فيها يفرق كل أمر حكيم } [ الدخان : 4 ] .