اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول أكثر المفسرين ، ذكره الثعلبي ، وحكي الماوردي عكسه .

وذكر الواقديّ : أنها أول سورة نزلت ب " المدينة " ، وهي خمس آيات ، وثلاثون كلمة ، ومائة واثنا عشر حرفا .

قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، أي : القرآن ، أضمر للعلم به { فِي لَيْلَةِ القدر } يجوز أن يكون ظرفاً للإنزال ، والقرآن كله كالسورة الواحدة ، وقال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن } [ البقرة : 185 ] ، وقال : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] يريد : ليلة القدر .

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : نزل به جبريل - عليه السلام - جملة{[60575]} واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة ، وأملاه جبريل على السَّفرةِ ، ثم كان جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً ، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة{[60576]} .

حكى الماورديُّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزل القرآنُ في شهر رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة ، جملة واحدة من عند الله ، من اللوح المحفوظ إلى السَّفرة الكرام الكاتبين في سماء الدنيا ، فنجمته السَّفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة ، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة{[60577]} .

قال ابن العربي : وهذا باطل ، ليس بين جبريل - عليه السَّلام - وبين الله واسطة ، ولا بين جبريل ومحمد - عليهما السلام - واسطة .

وقيل : المعنى أنزل في شأنها وفضلها ، فليست ظرفاً ، وإنما كقول عمر - رضي الله عنه - : خشيت أن ينزل فيَّ قرآن ، وقول عائشة - رضي الله عنها - : لأنا أحقر في نفسي أن ينزل فيّ قرآن{[60578]} .

وسميت ليلة القدر بذلك ؛ لأن الله يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السَّنة القابلة ، من أمر الموت ، والأجل ، والرزق ، وغيره ، ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل ، عليهم السلام .

وعن ابن عباس أيضاً : إن الله يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ، وأما تضييقها بالملائكة قال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ؛ كقوله تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] .

وقيل : سميت بذلك لعظمها ، وشرفها ، وقدرها ، من قولهم : لفلان قدر ، أي : شرف ومنزلة ، قاله الزهري . وقيل : سميت بذلك لأن للطاعة فيها قدراً عظيماً ، وثواباً جزيلاً . وقيل : لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، على أمه ذاتِ قدر ، والقدر : مصدر ، والمراد ما يمضيه الله تعالى من الأمور ، قال الله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] ، وهو بمعنى القدر ، إلا أنه بالتسكين ، مصدر ، وبالفتح اسم .

/خ5


[60575]:في أ: دفعة.
[60576]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/651)، عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/628)، وزاد نسبته إلى ابن الضريس وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل".
[60577]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/311)، والقرطبي (20/88).
[60578]:جزء من حديث الإفك وقد تقدم تخريجه.