تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر ( وهي مكية ){[1]}

الآية1 : قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال أهل التأويل : إن قوله : { أنزلناه } يعني ( القرآن ، ويحتمل أن يكون قوله : { إنا أنزلناه } يعني ){[23883]} السلام الذي ذكر في آخر السورة ، حيث قال : { من كل أمر } { سلام } ( الآيتان : 4و5 ) .

فمن قال : أنزل القرآن في ليلة القدر ، فهم مختلفون ، قال بعضهم : أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ في تلك الليلة ، وهي في شهر رمضان ، كقوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } ( البقرة : 185 ) أي أنزل من اللوح المحفوظ ، ثم أنزل من السماء الدنيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفاريق على قدر الحاجة من الأمر والنهي والحلال والحرام والمواعظ وكل ما يحتاج إليه إلى العام القابل جملة ، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما بالتفاريق ، والله أعلم .

ثم لا ندري أن تلك الفضيلة التي جعلت لهذه الليلة لفضل عبادة جعلت فيها ، امتحن الخلق بأدائها على الترغيب والأدب ، أو فضلت لمكان ما امتحن الملائكة ، وكلفهم بالنزول فيها ، والعبادة لله في الأرض ، وإنزال القرآن ، ونحو ذلك ، أو لحكمة ومعنى فضلت لم يطلع على ذلك المعنى أحدا .

وقد جعلت لبعض الأمكنة الفضيلة لعبادات جعلت فيها نحو ما ذكر { عن النبي صلى الله عليه وسلم }{[23884]} : " صلاة واحدة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وصلاة واحدة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غير سوى المسجد الحرام " ( ابن ماجه1406 ) وقال الله تعالى : { وأن المساجد لله } ( الجن : 18 ) خصت هذه البقاع بالفضيلة على غيرها لعبادات جعلت فيها . فعلى ذلك جائز أن تخص بعض الأوقات دون بعض بالفضيلة لمكان عبادات جعلت فيها . لكن بين تلك الأماكن ، ولم يبين تلك الأوقات المفضلة ( ولم يجعلها ){[23885]} مطلوبة من بين غيرها من الأوقات ، فهو ، والله أعلم ( أنه لو بينها ، وأشار }{[23886]}إليها لكان لا مؤونة تلزم في ذلك ؛ لأنه يحفظ ذلك الوقت وتلك الليلة خاصة ، وأما المكان فتلزم{[23887]}المؤونة في إتيان ذلك المكان .

وعلى ذلك يخرج ما لم يبين وقت خروج روح الإنسان من بدنه ، لأنه لو بين ، وأعلم نهاية عمره ، لتعاطى الفسق ، وارتكب المعاصي آمنا إلى آخر أجزاء حياته ، ثم يتوب ، فلم يبين ليكون أبدا على خوف وحذر ورجاء . فعلى ذلك لم يبين تلك الليلة لتطلب من بين الليالي جميعا ، لتحيي الليالي غيرها ، والله أعلم .

ثم إن كان السؤال عن القرآن ، هو المنزل في تلك الليلة ، فيكون دليله قوله : { حم } { والكتاب المبين } { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ( الدخان : 1 3 ) وإن كان السؤال عن ليلة القدر ، فيكون البيان عنها .


[1]:- في ط ع: سمح.
[23883]:من م، ساقطة من الأصل
[23884]:ساقطة من الأصل وم
[23885]:في الأصل وم: وجعلها
[23886]:في الأصل وم: أن لو بين وأشير
[23887]:الفاء ساقطة من الأصل وم