جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتّىَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .

يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر ، وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة ، وهو مصدر من قولهم : قَدَر الله عليّ هذا الأمْرَ ، فهو يَقْدُر قَدْرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يُحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه .

حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } .

قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عِكرِمة ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه ، وزاد فيه ، وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة .

قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابيّ ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان التيميّ ، قال : حدثنا عمران أبو العوّام ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، أنه قال في قول الله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَة الْقَدْرِ } قال : نزل أوّلُ القرآن في ليلة القدر .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين ، عن حكيم بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فُرّق في السنين ، وتلا ابن عباس هذه الاَية : { فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ } قال : نزل متفرّقا . حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن داود ، عن الشعبيّ ، في قوله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير : أنزل القرآن جملة واحدة ، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر : { فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيم } .

قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله { إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ، إلى السماء الدنيا ، فكان بموقع النجوم ، فكان الله ينزله على رسوله ، بعضُه في إثر بعض ، ثم قرأ : { وَقَالُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتّلْناهُ تَرْتِيلاً } وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ليلة القدر : ليلة الحكم .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : ليلة الحُكْم .

قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن سْوقَة ، عن سعيد بن جُبير : يؤذن للحجاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يُزاد فيهم ، ولا ينقص منهم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : قال رجل للحسن وأنا أسمع : رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي ؟ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان ، وإنها لليلة القدر ، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم ، فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق ، إلى مثلها .

حدثنا أبو كُرَيب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عمر قال : ليلة القدر في كلّ رمضان .