فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر

وهي خمس آيات ، قال المحلي : أو ست آيات ، قال سليمان الجمل : ولم يذكر غيره هذا القول من المفسرين فيما رأينا ؛ بل اقتصروا على كونها خمسا ، ولعل قائل هذا القول يعد { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم } آية مستقلة ، ثم رأيت في السمين ما يشير إليه انتهى ، وهي مكية عند أكثر المفسرين ، كذا قال الماوردي ، وقال الثعلبي : هي مدنية في قول أكثر المفسرين ، وهو الأصح ، وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة ، وعن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت بمكة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إنا أنزلناه } الضمير للقرآن وإن لم يتقدم له ذكر ، عظمه حيث أسند إنزاله إليه دون غيره ، وجاء بضميره دون اسمه الظاهر للاستغناء عن التنبيه عليه ، ورفع مقدار الوقت الذي أنزله فيه ، والنون في إنا للتعظيم ، روي أنه أنزل جملة واحدة .

{ في ليلة القدر } إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ ، ثم كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما على حسب الحاجة ، وكان بين نزول أوله وآخره على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة .

وفي آية أخرى { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وهي ليلة القدر ، وفي آية أخرى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } وليلة القدر في شهر رمضان ، قال مجاهد : في ليلة القدر ، ليلة الحكم .

وقد أخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وغيرهم عن ابن عباس : " أنزل القرآن في ليلة القدر حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ، ثم جعل جبريل ينزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم " .

ومعلوم أن الإنزال مستعار للمعاني من الأجرام ، شبه نقل القرآن من اللوح إلى السماء وثبوته فيها بنزول جسم من علو إلى أسفل ، فعلى هذا هو مجاز مستعار .

قيل : سميت ليلة القدر لأن الله سبحانه يقدر فيها ما شاء من أمره إلى السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغير ذلك .

وقيل : إنها سميت بذلك لعظم قدرها وشرفها ، من قولهم : لفلان قدر ، أي شرف ومنزلة ، كذا قال الزهري . وقيل : سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدرا عظيما ، وثوابا جزيلا . وقال الخليل : سميت ليلة القدر لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ، كقوله { ومن قدر عليه رزقه } أي ضيق .

والأحاديث في فضل ليلة القدر كثيرة ، وكذا في تعيينها ، وليس هذا موضع بسطها .

وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولا ، قد ذكرناها بأدلتها ، وبيّنا الراجح منها في شرحنا لبلوغ المرام المسمى بمسك الختام ، وذكرها الشوكاني في شرحه لمنتقى الأخبار المسمى بنيل الأوطار .