التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القدر

مكية وآياتها 5 نزلت بعد عبس

اختلف الناس في ليلة القدر على ستة عشر قولا ، وهي : أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، وليلة ثلاث وعشرين ، وليلة خمس وعشرين ، وليلة سبع وعشرين ، وليلة تسع وعشرين ، فهذه خمسة أقوال في ليالي الأوتار من العشر الأواخر من رمضان على قول من ابتدأ عدتها من أول العشر ، وقد ابتدأ بعضهم عدتها من آخر الشهر ، فجعل ليالي الأوتار ليلة ثلاثين لأنها الأولى ، وليلة ثمان وعشرين لأنها الثانية ، وليلة ستة وعشرين لأنها الخامسة ، وليلة أربع وعشرين لأنها السابعة ، وليلة اثنين وعشرين لأنها التاسعة ، فهذه خمسة أقوال أخر فتلك عشرة أقوال ، والقول الحادي عشر : أنها تدور في العشر الأواخر ولا تثبت في ليلة واحدة منه . الثاني عشر : أنها مخفية في رمضان كله . وهذا ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم : " التمسوها في العشر الأواخر " . الثالث عشر : أنها مخفية في العام كله . الرابع عشر أنها ليلة النصف من شعبان وهذان القولان باطلان ؛ لأن الله تعالى قال : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقال : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185 ] فدل ذلك على أن ليلة القدر في رمضان . القول الخامس عشر : أنها رفعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ضعيف . القول السادس عشر أنها ليلة سبعة عشر من رمضان ؛ لأن وقعة بدر كانت صبيحة هذه الليلة ، وأرجح الأقوال أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان ، أو ليلة ثلاث وعشرين ، أو ليلة سبع وعشرين ، فقد جاءت في هذه الليالي الثلاث أحاديث صحيحة خرجها مسلم وغيره ، والأشهر أنها ليلة سبع وعشرين .

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } الضمير في أنزلناه للقرآن دل على ذلك سياق الكلام ، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته ، والاستغناء عن تسميته .

والثاني : أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات .

والثالث : أن الله أسند إنزاله إلى نفسه ، وفي كيفية إنزاله في ليلة القدر قولان :

أحدهما : أنه ابتدأ إنزاله فيها .

والآخر : أنه أنزل القرآن فيها جملة واحدة إلى السماء ، ثم نزل به جبريل إلى الأرض بطول عشرين سنة .

وقيل : المعنى أنزلناه في شأن ليلة القدر وذكرها ، وهذا ضعيف ، وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها ، أو من القدر بمعنى الشرف ، ويترجح الأول بقوله : { فيها يفرق كل أمر حكيم } [ الدخان : 4 ] .