الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة القدر( {[1]} ) مدنية( {[2]} ) وقيل : مكية( {[3]} ) .

قوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدرٌ } إلى آخرها( {[76751]} ) .

أي : إنا أنزلنا القرآن إلى السماء الدنيا جملة ] واحدة[ ( {[76752]} ) في ليلة القدر . فهذا إضمار لم يتقدم( {[76753]} ) له ذكر في السورة ، لأنه قد ( عرف )( {[76754]} ) ، وقيل : إنما جاز ذلك ، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة( {[76755]} ) .

وقيل : الهاء( {[76756]} ) تعود( {[76757]} ) على المنزل ، ودل " أنزلنا " على المنزل ، والمنزل هو القرآن( {[76758]} ) .

وليلة القدر ] ليلة[ ( {[76759]} ) الحكم التي يقضي الله جل وعز فيها قضاء ( السنة )( {[76760]} ) ، والقدر : مصدر ] قدر[ ( {[76761]} ) الله خيرا فهو يقدره قدرا( {[76762]} ) .

يقال : ليلة القدر والقدر ، والتقى( {[76763]} ) القوم على قدر وعلى قدر ، وهذا قدر الله وقدره .

وسميت ليلة القدر لتقدير الله فيها ما شاء من أمره .

قال ابن عباس : نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان على السماء الدنيا ، فكان( {[76764]} ) الله –جل وعز- إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا( {[76765]} ) أنزل منه حتى جمعه ، وقاله العبي وابن جبير( {[76766]} ) .

قال مجاهد : { ليلة القدرٌ }( {[76767]} ) : ليلة الحكم " ( {[76768]} ) .

قال ابن الجبير( {[76769]} ) : " يؤذن( {[76770]} ) للحاج في ليلة القدر ، فيكتبون( {[76771]} ) بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم " ( {[76772]} ) .

قال رجل للحسن : أرأيت ليلة القدر ، أفي كل رمضان ؟ فقال : نعم ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي كل رمضان ، وإنها لليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقتضي( {[76773]} ) الله عز وجل كل أجل وكل عمل ورزق وخلق إلى مثلها( {[76774]} ) .

قيل : إنما سميت " ليلة القدر " ( {[76775]} ) على معنى ليلة الجلالة والتعظيم ، من قولهم ، لفلان قدر( {[76776]} ) .

وقد ] تواترت[ ( {[76777]} ) الأخبار أنها في العشر الأواخر من رمضان ، أخفاها الله عز وجل في العشر ] ولم يعينها النبي [ صلى الله عليه وسلم ( {[76778]} ) لئلا يفرط( {[76779]} ) الناس في العمل في غيرها والاجتهاد ويتكلوا( {[76780]} ) على فضل( {[76781]} ) العمل فيها . فهي أبدا في ليلة من العشر الأواخر من رمضان . وهي تختلف ، فتكون مرة في ] ليلة[ ( {[76782]} ) سبع ، ومرة في ليلة غيرها .

روى( {[76783]} ) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت ليلة القدر ، ثم أيقطني( {[76784]} ) بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر " ( {[76785]} ) .

( وعنه صلى الله عليه وسلم : " فالتمسوها في العشر الأواخر )( {[76786]} ) ، وفي( {[76787]} ) الوتر( {[76788]} ) منها ، أو في السبع البواقي " شك الراوي .

وروى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إلتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، في( {[76789]} ) تاسعةٍ تبقى ، أو سابغة تبقى ، أو خامسة تبقى " ( {[76790]} ) .

وقال عبادة بن الصامت( {[76791]} ) : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال رسول الله : " إني خرجت إليكم وأنا( {[76792]} ) أريد أن أخبركم( {[76793]} ) ] بليلة[ ( {[76794]} ) القدر ، فكان بين فلان وفلان لحاء( {[76795]} ) فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الخامسة والسابعة والتاسعة( {[76796]} ) .

وقال أبو سعيد الخدري : كان رسول اله يعتكف( {[76797]} ) العشر الوسط( {[76798]} ) من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين ، وهي التي يخرج فيها من اعتكافه ، قال : من اعتكف معي( {[76799]} ) فليعتكف العشر( {[76800]} ) الأواخر ، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها . وقد ] رأيتني[ ( {[76801]} ) أسجد( {[76802]} ) من صبيحتها( {[76803]} ) في ماء/وطين( {[76804]} ) ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر . قال أبو سعيد( {[76805]} ) : فمطرت السماء من تلك الليلة وكان المسجد على عريش( {[76806]} ) فوكف( {[76807]} ) . قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي( {[76808]} ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه اثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين " ( {[76809]} ) . وقد أمر رسول الله أنيسا( {[76810]} ) أن يتوخاها( {[76811]} ) ليلة ثلاث وعشرين( {[76812]} ) .

وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان متحريها( {[76813]} ) ] فليتحرها[ ( {[76814]} ) في ليلة( {[76815]} ) سبع وعشرين( {[76816]} ) .

وعن ابن عباس أنه استدل على أنها ليلة سبع وعشرين بقوله : { سلام هي } الكلمة السابعة والعشرون من أول السورة ، فكذلك ليلة القدر ليلة سبع وعشرين من الشهر( {[76817]} ) ، وهذا استدل فيه نظر إن صح عنه .

وقال كعب : والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبر )( {[76818]} ) ] لها[ ( {[76819]} ) بآية فقال : إن الشمس تطلع غدا تئذ كأنها( {[76820]} ) طست ليس لها شعاع( {[76821]} ) .

وأم النبي( {[76822]} ) صلى الله عليه وسلم عائشة ] أن[ ( {[76823]} ) تدعو إدا وافقت ليلة القدر فتقول : " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ( {[76824]} ) .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[3]:أ: إذ.
[76751]:أ: آخر السورة.
[76752]:زيادة من أ: عنى أن هذه العبارة كتبت فيها هكذا: "جملة واحدة إلى السماء الدنيا".
[76753]:ث: لم تتقدم.
[76754]:ساقط من ث: وانظر إعراب النحاس 5/256 حكاية عن أكثر النحويي.
[76755]:حكاه النحاس في إعرابه 5/265.
[76756]:ث: وقيل لها.
[76757]:ث: تعوذ.
[76758]:حكاه النحاس في إعرابه 5/266 واستحسنه.
[76759]:م: اليلة.
[76760]:ساقط من ث.
[76761]:م: قول.
[76762]:انظر جامع البيان 30/258.
[76763]:كأنها في أ: والتقا.
[76764]:( ث: وكان.
[76765]:أ: أشياء.
[76766]:جامع البيان 30/258.
[76767]:زيادة من أ، ث.
[76768]:جامع البيان 30/259 والدر 8/568 وهو قول ابن قتيبة في الغريب، ص:534.
[76769]:ساقط من أ.
[76770]:أ: ويؤذن.
[76771]:من قوله: (فيكتبون بأسمائهم) فما بعده إلى قوله: (وقيل، إنما سميت ليلة القدر)، ساقط من أ.
[76772]:جامع البيان 30/259.
[76773]:ث: يقضى.
[76774]:انظر جامع البيان 30/259.
[76775]:ساقط من أ. انظر بدايته.
[76776]:عزاع الماوردي في تفسيره 3/490 إلى ابن عيسى وحكاه النحاس في إعرابه 5/267. وعزاه أبو حيان في البحر 8/496 إلى الزهري وانظر فتح القدير 5/472.
[76777]:م، أ: تواثرت.
[76778]:م: ولم يعينها الله النبي عليه السلام.
[76779]:ث: يفرض.
[76780]:أ: ويتكلون.
[76781]:أ: أفصل.
[76782]:زيادة من أ.
[76783]:أ: وروى.
[76784]:أ، ث: ايقضني.
[76785]:أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، بلفظ: "أريت ليلة القدر ثم أيقطني بعض أهلي فنسيها فالتمسوها في العشر الغوابر" قال حرملة: فنسيتها. انظر شرح النووي على مسلم 8/60.
[76786]:ساقط من أ.
[76787]:ث: في.
[76788]:انظر معنى الوتر في ص 729-730.
[76789]:أ: في.
[76790]:أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ح: 2021 بزيادة "ليلة القدر" بعد قوله: "من رمضان" وانظر الفتح 4/260.
[76791]:هو أبو الوليد عبادة بن أبي عبادة الصامت الصحابي الجليل شهد العقبة الأولى والثانية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد بدرا واحدا وغيرهما روى عنه أنس وجابر وكثير من التابعين، مناقبه كثيرة جدا، توفي ببيت المقدس سنة 34هـ. انظر الاستبصار: 188، وتهذيب الأسماء 1/2562.
[76792]:أ: وإني وأنا.
[76793]:أ: اخرج.
[76794]:م، ث: ليلة.
[76795]:يقال: لا حيث الرجل ملاحاة ولحاء: إذا نازعته، ولحيته ألحاه لحيا، إذا لمته وعذلته. انظر النهاية لابن الأثير 4/243 وفي الفتح 4/268 اللحاء: " المخاصمة والمنازعة والمشاتمة".
[76796]:أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، ج: 2.23 بنحوه عن عبادة بن الصامت.
[76797]:في الفتح 4/471: "الاعتكاف لغة لزوم الشيء وحبس النفس، وشرعا المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة، وليس بواجب إجماعا إلا على من نذره، وكذا من شرع فيه فقطع عامدا عند قوم، واختلف في اشتراط الصوم له" وانظر علاقة الصوم بالاعتكاف في بداية المجتهد 1/229 والفتح 7/264.
[76798]:أ: الأوسط.
[76799]:أ: معنا.
[76800]:أ: في العشر.
[76801]:م: رأيت.
[76802]:أ: البحر. تحريف.
[76803]:ث: صبحتها.
[76804]:أ: في ماء الطين.
[76805]:أ: وقال أبو سعيد الخدري.
[76806]:كتبت في متن أ: عزيش. وهو صحيح خاطئ.
[76807]:ث: فوكب.
[76808]:كتب الناسخ أو المصفح في هامش ث: أظنه عيني. على أنه مفعول به. وهذا لا يستقيم به الكلام. والصحيح أنه فاعل. فيكون في الكلام التأكيد على تحقيق الرؤية.
[76809]:أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، ح2018 عن أبي سعيد، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر. وانظر شرح النووي على مسلم 8/62 والفتح 4/259.
[76810]:كذا في جميع النسخ والظاهر أنه عبد الله بن أنيس – كما سيتبين في تخريج القول – وهو الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس الجهني حليف بني سلمة، شهد أحدا وما بعدها، قال ابن قدامة في استبصار: 166: "هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال له: رسول الله إني شاسع الدار، فمر لي بليلة أنزل بها فقال: أنزل ليلة ثلاثة وعشرين، وتعرف الليلة بليلة الجهني".
[76811]:ث: يتوحاها.
[76812]:أ: أن يتوخى هذه الليلة في ثلاث وعشرين. والحديث عن عبد الله بن أنيس أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر وانظر مصابيح السنة 20/103.
[76813]:"التحري. القصد والاجتهاد في الطب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول "النهاية لابن الأثير 376.
[76814]:م: ث: فليتحراها.
[76815]:أ: فليتحرها ليلة.
[76816]:الحديث عن ابن عمر ذكره القرطبي في تفسيره: 20/136 من غير إسناد، وانظر تفسير ابن كثير 4/570.
[76817]:المحرر 16/341 نقلا عن ابن بكير وأبي بكر الوراق والنقاش، وانظر أيضا: زاد المسير 9/187-188 وانظر الفتح 4/265.
[76818]:ساقط من أ، ث.
[76819]:ساقط من م.
[76820]:أ: كأنما.
[76821]:أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر بنحوه عن أبي بن كعب. وانظر شرح النووي على مسلم 8/64.
[76822]:أ: رسول الله.
[76823]:ساقط من م.
[76824]:أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ح: 3513 وأحمد في المسند 6/171 وابن ماجة في كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، ح: 3750 زانظر مصابيح السنة 2/104.