في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

وبينما هم يسألون في شك ويجابون في جزم ، يخيل السياق القرآني كأن هذا اليوم الذي يسألون عنه قد جاء ، والموعد الذي يشكون فيه قد حان ؛ وكأنما هم واجهوه الآن . فكان فيه ما كان :

( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ، وقيل : هذا الذي كنتم به تدعون ) !

فقد رأوه قريبا مواجها لهم حاضرا أمامهم دون توقع ودون تمهيد . فسيئت وجوههم ، وبدا فيها الاستياء . ووجه إليهم التأنيب : ( وقيل : هذا الذي كنتم به تدعون ) . . هذا هو حاضرا قريبا . وهو الذي كنتم تدعون أنه لن يكون !

وهذه الطريقة في عرض ما سيكون تتكرر في القرآن ، لمواجهة حالة التكذيب أو الشك بمفاجأة شعورية تصويرية تقف المكذب أو الشاك وجها لوجه مع مشهد حاضر لما يكذب به أو يشك فيه .

ثم هي في الوقت ذاته تصور حقيقة . فهذا اليوم كائن في علم الله ؛ أما خط الزمن بينه وبين البشر فهو قائم بالقياس إلى البشر . وهي مسألة نسبية لا تمثل الحقيقة المجردة كما هي في حساب الله . ولو أذن الله لرأوه اللحظة كما هو في علم الله . فهذا الانتقال المفاجئ لهم من الدنيا إلى الآخرة ، ومن موقف الشك والارتياب إلى موقف المواجهة والمفاجأة ، يشير إلى حقيقة قائمة لو أذن الله بها لانكشفت لهم . في الوقت الذي يصور لهم هذه الحقيقة تصويرا يهز مشاعرهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

{ قل هو الذي ذراكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين* فلما رأوه } يعني : العذاب في الآخرة -على قول أكثر المفسرين- وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر ، { زلفةً } أي قريباً ، وهو اسم يوصف به المصدر ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والاثنان والجميع ، { سيئت وجوه الذين كفروا } اسودت وعلتها الكآبة ، فالمعنى قبحت وجوههم بالسواد ، يقال : ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح ، وسيء يساء إذا قبح ، { وقيل } لهو الذي قال لهم الخزنة ، { هذا } أي هذا العذاب ، { الذي كنتم به تدعون } تفتعلون من الدعاء ، أي : أن تدعوه وتتمنوه أن يعجل لكم ، وقرأ يعقوب { تدعون } بالتخفيف ، وهي قراءة قتادة ، ومعناهما واحد ، مثل تذكرون وتذكرون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

{ فلما رأوه } أي العذاب في الآخرة { زلفة } قريبا { سيئت وجوه الذين كفروا } تبين في وجوههم السوء وعلتها الكآبة ، { وقيل هذا } العذاب { الذي كنتم به تدعون } تفتعلون من الدعاء ، أي تدعون الله به إذ تقولون { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

ولما كان ما ينذر به لا بد من وقوعه ، وكان كل آت قريباً ، عبر عن ذلك بالفاء والماضي ، فقال صارفاً العقول إلى الإعراض ، لأن وقت الرؤية للعذاب في غاية المناسبة للإهانة : { فلما رأوه } أي الوعد بانكشاف الموعود به عند كونه ، وحقق معنى الماضي والفاء بقوله : { زلفة } أي ذا قرب عظيم منهم ، وذلك بالتعبير عن اسم الفاعل بالمصدر ، إبلاغاً في المعنى المراد ، وأكد المبالغة بالتاء ، لأنها ترد للمبالغة{[67115]} إذا لم يرد منها التأنيث ، ولا سيما إن دلت قرينة أخرى على ذلك .

ولما كان المخوف في النذرى الوقوع في السوء ، لا بقيد كونه من معين ، قال : { سيئت } ولما كان السوء يظهر في الوجه قال{[67116]} : { وجوه } وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف ، فقال : { الذين كفروا } أي ظهر السوء وغاية الكراهة في وجوه من أوقع هذا الوصف ، ولو على أدنى وجوه الإيقاع ، وعلتها الكآبة .

ولما كان لا أوجع من التبكيت عند إحاطة المكروه من غير حاجة إلى تعيين فاعله ، بنى للمفعول قوله : { وقيل } أي لهم تقريعاً وتوبيخاً : { هذا الذي }{[67117]} أي تقدم من عنادكم ومكركم واستكباركم{[67118]} { كنتم } أي جبلة وطبعاً { به } أي بسببه ومن أجله ، وصرف القول إلى الخطاب ، لأن{[67119]} التقريع به أنكأ {[67120]}في العذاب{[67121]} : { تدعون * } أي تطلبون وتوقعون {[67122]}الطلب له طلباً شديداً ، تبلغون فيه غاية الجهد على وجه الاستعجال ، أن يستنزل بكم مكروهه{[67123]} فعل من لا يبالي به بوجه ، وتكررون ذلك الطلب ، وتعودون إليه في كل وقت معرضين عن{[67124]} السعي في الخلاص فيه{[67125]} من عدوان العذاب ، ونيل الوعد الحسن بجزيل الثواب ، لبيان {[67126]}قوة طلبهم له{[67127]} وتداعيهم إليه استهزاء به ، حتى كأنهم لا مطلوب لهم غيره ، قدم الجار المفيد غالباً للاختصاص ، فهو افتعال من دعا الشيء و{[67128]}بالشيء إذا طلبه ، ودعاه الله بمكروه : أنزله به .


[67115]:- زيد من ظ وم.
[67116]:- من ظ وم، وفي الأصل: فقال.
[67117]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67118]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67119]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا.
[67120]:- من ظ وم، وفي الأصل: للعذاب.
[67121]:- من ظ وم، وفي الأصل: للعذاب.
[67122]:- من ظ وم، وفي الأصل: تتوقعون.
[67123]:- من ظ وم، وفي الأصل: مكروه.
[67124]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[67125]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه.
[67126]:- من ظ وم، وفي الأصل: بيان.
[67127]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[67128]:- زيد من ظ وم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

قوله : { فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا } يعني لما رأى الكافرون الوعد ، وهو قيام الساعة أو العذاب { زلفة } أي قريبا فعاينوه { سيئت وجوه الذين كفروا } أي ساءت معاينة العذاب وجوه الكافرين المكذبين ، فغشيها من الاغتمام والكلوح والعبوس والتجهم ما غشيها { وقيل هذا الذي كنتم به تدعون } أي تقول لهم زبانية جهنم : هذا العذاب الذي كنتم تطلبونه وتستعجلونه{[4592]}


[4592]:الكشاف جـ 4 ص 139 وفتح القدير جـ 5 ص 265.