في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

خلف من بعدهم خلف ، بعيدون عن الله . ( أضاعوا الصلاة )فتركوها وجحدوها ( واتبعوا الشهوات )واستغرقوا فيها . فما أشد المفارقة ، وما أبعد الشبه بين أولئك وهؤلاء !

ومن ثم يتهدد السياق هؤلاء الذين خالفوا عن سيرة آبائهم الصالحين . يتهددهم بالضلال والهلاك : ( فسوف يلقون غيا )والغي الشرود والضلال ، وعاقبة الشرود والضياع والهلاك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

{ فخلف من بعدهم خلف } فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح وخلف سوء بالسكون { أضاعوا الصلوة } تركوها أو أخروها عن وقتها . { واتبعوا الشهوات } كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والإنهماك في المعاصي . وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله { واتبعوا الشهوات } . من بنى الشديد ، وركب المنظور ، ولبس المشهور . { فسوف يلقون غيا } شرا كقوله :

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

أو جزاء غي كقوله تعالى : { يلق أثاما } أو غيا عن طريق الجنة وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا} (59)

«الخَلف » بفتح اللام القرن يأتي بعد آخر يمضي ، والابن بعد الأب ، وقد يستعمل في سائر الأمور . «والخلْف » بسكون اللام مستعمل إذا كان الآتي مذموماً هذا مشهور كلام العرب وقد ذكر عن بعضهم أن الخلَف والخلْف بمعنى واحد وحجة ذلك قول الشاعر :

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا . . . لأولنا في طاعة الله تابع{[7985]}

وقرأ الجمهور «الصلاة » بالإفراد ، وقرأ الحسن «أضاعوا الصلوات » بالجمع ، وكذلك في مصحف ابن مسعود ، والمراد ب «الخلف » من كفر أو عصى بعد من بني إسرائيل ، وقال مجاهد : المراد النصارى خلفوا بعد اليهود وقال محمد بن كعب ومجاهد وعطاء : هم قوم من أمة محمد آخر الزمان ، أي يكون في هذه الامة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية ، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «كان الخلف بعد ستين سنة »{[7986]} وهذا عرف إلى يوم القيامة وتتجدد أيضاً المبادئ ، واختلف الناس في «إضاعة الصلاة » منهم ، فقال محمد بن كعب القرظي وغيره : «كانت اضاعة كفر وجحد بها » . وقال القاسم بن مخيمرة{[7987]} وعبدالله بن مسعود : «كانت اضاعة أوقاتها والمحافظة على أوانها » وذكره الطبري عن عمر ين عبدالعزيز رضي الله عنه في حديث طويل . و { الشهوات } عموم وكل ما ذكر من ذلك فمثال ، و «الغي » الخسران والحصول في الورطات ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره . . . ومن يغو لا يعدم على الغي لائما{[7988]}

وبه فسر ابن زيد هذه الآية ، وقد يكون «الغي » أيضاً بمعنى الضلال فيكون على هذا هنا حذف مضاف تقديره «يلقون جزاء الغي » وبهذا فسر الزجاج . وقال عبدالله بن عمرو وابن مسعود «غي » واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية ، وقيل «غي وآثام ، نيران في جهنم » رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي عليه السلام{[7989]} .


[7985]:البيت لحسان بن ثابت الأنصاري، وهو في اللسان شاهد على أن (الخلف) ـ بسكون اللام ـ هو الآتي بعد الماضي ويكون محمودا، قال: "والخلف: الباقي بعد الهالك، والتابع له، هو في الأصل أيضا من خلف يخلف خلفا، ويكون محمودا ومذموما، فشاهد المحمود قول حسان بن ثابت الأنصاري: لنا القدم الأولى ... البيت ... فالخلف ها هنا هو التابع لمن مضى، وليس من معنى الخلف الذي هو البدل"، ثم قال صاحب اللسان: "وقيل: الخلف هنا المتخلفون عن الأولين، أي الباقون، وعليه قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف}، فسمي بالمصدر، فهذا قول ثعلب، قال الأزهري: وهو صحيح".
[7986]:أخرجه أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه كما رواه الإمام السيوطي في الدر المنثور: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا هذه الآية: {فخلف من بعدهم خلف}، فقال: (يكون خلف من بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر).
[7987]:القاسم بن مخيمرة ـ بالخاء المعجمة ـ مصغرا، أبو عروة الهمداني ـ بالسكون ـ الكوفي، نزيل الشام، ثقة، فاضل، من الثالثة، مات سنة مائة. (تقريب التهذيب).
[7988]:البيت للمرقش الأصغر، وهو ربيعة بن سفيان بن سعد، وهو ابن أخ للمرقش الأكبر، وعم طرفة بن العبد، وقد عشق فاطمة بنت المنذر، وعرف بأنه من عشاق العرب، وهوأشعر المرقشين وأطولهما عمرا، والبيت من قصيدة له يصف فيها حبه لفاطمة، ويتحدث عن قصة ترويها كتب الأدب، ويمكن الرجوع إليها في المفضليات. واستشهد بهذا البيت في اللسان على أن الغي هو الضلال.
[7989]:أخرجه ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن أبي أمامة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا، ثم تنتهي إلى غي و آثام ، قلت وما غي وآثام؟ قال: نهران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار، وهما اللذان ذكر الله في كتابه: {فسوف يلقون غيا}، {ومن يفعل ذلك يلق أثاما}. (الدر المنثور).