في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

36

ثم هم يستعجلون بما ينذرهم به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من عذاب ؛ ويحذرهم من عاقبته . والإنسان بطبعه عجول :

( خلق الإنسان من عجل . سأريكم آياتي فلا تستعجلون . ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ! ) . .

( خلق الإنسان من عجل ) . . فالعجلة في طبعه وتكوينه . وهو يمد ببصره دائما إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده ، ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله ، ويريد أن يستحضر كل ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه . ذلك إلا أن يتصل بالله فيثبت ويطمئن ، ويكل الأمر لله فلا يتعجل قضاءه . والإيمان ثقة وصبر واطمئنان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

{ خلق الإنسان من عجل } كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته كقولك : خلق زيد من الكرم ، جعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع وهو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل : إنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد . روي أنها نزلت في النضر بن الحارث حين استعجل العذاب . { سأريكم آياتي نقماتي في الدنيا كوقعة بدر وفي الآخرة عذاب النار . { فلا تستعجلون } بالإتيان بها ، والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

وقوله تعالى : { خلق الإنسان من عجل } ، توطئة للرد عليهم في استعجالهم العذاب وطلبهم آية مقترحة وهي مقرونة بعذاب مجهز إن كفروا بعد ذلك ، ووصف تعالى الإنسان الذي هو اسم الجنس بأنه «خلق من عجل » وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال أنت من لعب ولهو وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لست من دد ولا دد مني »{[8223]} ، وهذا نحو قول الشاعر :

وإنا لمما نضرب الكبش ضربة . . . على رأسه تلقي اللسان على الفم{[8224]}

كأنه مما كانوا أهل ضرب الهام ، وملازمة الضرب قال إنهم من الضرب ع وهذا التأويل يتم به معنى الآية المقصود في أن ذمت عجلتهم وقيل لهم على جهة الوعيد إن الآيات ستأتي { فلا تستعجلون } وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : { خلق الإنسان من عجل } إنه على المقلوب كأنه أراد خلق العجل من الإنسان على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزءاً من أخلاقه ع وهذا التأويل ليس فيه مبالغة وإنما هو إخبار مجرد وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه ونظير هذا القلب الذي قالوه قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحرباء ، وكما قالوا عرضت الناقة على الحوض{[8225]} وكما قال الشاعر : [ البسيط ]

حسرت كفي على السربال آخذه . . . فرداً يخر على أيدي المفدينا{[8226]}

وأما المعنى في تأويل من رأى الكلام من المقلوب فكالمعنى الذي قدمناه ، وقالت فرقة من المفسرين قوله { خلق الإنسان من عجل } إنما أراد أن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في آخر ساعة من يوم الجمعة فتعجل به قبل مغيب الشمس ، وروى بعضهم أن آدم عليه السلام قال يا رب أكمل خلقي فإن الشمس على الغروب أو غربت ع وهذا قول ضعيف ومعناه لا يناسب معنى الآية ، وقالت فرقة العجل الطين والمعنى خلق آدم من طين .

وأنشد النقاش : والنخل ينبت بين الماء والعجل{[8227]} . وهذا أيضاً ضعيف ومعناه مباين لمعنى الآية ، وقالت فرقة معنى قوله { خلق الإنسان من عجل } أي بقوله كن فهو حال عجله وهذا أيضاً ضعيف وفيه تخصيص ابن آدم بشيء كل مخلوق يشاركه فيه ، وليس في هذه الأقوال ما يصح معناه ويلتئم مع الآية إلا القول الأول ، وقرأت فرقة «خُلق » على بناء الفعل للمفعول ، وقرأت فرقة «خَلَق الإنسانَ » على معنى خلق الله الإنسان ، فمعنى الآية بجملتها خلق الإنسان من عجل على معنى التعجب ، من تعجل هؤلاء المقصودين بالرد ، ثم توعدهم بقوله { سأوريكم آياتي } أي سآتي ما يسوءكم إذا دمتم على كفركم ، يريد يوم بدر وغيره .


[8223]:ذكر هذا الحديث ابن الأثير في النهاية بلفظ: (ما أنا من دد ولا الدد مني)، وكذلك ذكره ابن منظور في اللسان بهذا اللفظ، والدد: اللهو واللعب، وهي محذوفة اللام، وقد استعملت متممة، فقيل: ددا كندى، وددن بالنون، قال ابن الأثير: وتنكير الدد في الجملة الأولى يفيد الشياع ولاستغراق، أي: ما أنا في شيء من اللهو واللعب، وعرفه في الجملة الثانية لأنه صار معهودا بالذكر، كأنه قال: ولا ذلك النوع مني، وقيل: إن اللام فيه لاستغراق الجنس، وفي الموضعين مضاف محذوف، والتقدير: ما أنا من أهل دد، ولا الدد من أشغالي.
[8224]:هذا البيت لأبي حية النميري، وهو في الخزانة، وأمالي ابن الشجري، والكتاب، والهمع، وشرح شواهد المغني، والكبش: رئيس القوم يحميهم ويدافع عنهم، وقد سبق الفرزدق بقوله: وإنا لمما نضرب الكبش ضربة على رأسه والحرب قد لاح نارها وقد وضح ابن عطية موضع استشهاده بالبيت، على أن النحويين يستشهدون به على أن (ما) تأتي بعد (من) فتكونان معا بمنزلة كلمة واحدة، مثل (ربما)، وبهذا يصير المعنى: من أمرنا وشأننا، وهذا هو الذي وضحه المؤلف.
[8225]:هذا من المقلوب في كلام العرب، والأصل: "استوت الحرباء على العود" و "عرضت الحوض على الناقة". والشعرى: كوكب نير يطلع عند شدة الحر، وفي التنزيل العزيز: {وأنه هو رب الشعرى}، وهما شعريان: الشعرى العبور، والشعرى الغميضاء.
[8226]:البيت لتميم بن مقبل، وهو من قصيدة له اختارها القرشي في (جمهرة أشعار العرب)، ومطلعها: طاف الخيال بنا ركبا يمانينا ودون ليلى عواد لو تعدينا والرواية في الجمهرة: (حسرت عن كفي السربال)، والسربال: القميص والدرع، والمفدون: الذي يقولون لي: فديناك من المكاره، أو نحن فداؤك، والشاهد أنه يريد أن يقول: حسرت السربال عن كفي لشجاعتي، فهو من المقلوب.
[8227]:هذا عجز بيت، استشهد به في اللسان (عجل) على أن العجل بمعنى الطين، قال: "وقيل: العجل ها هنا: الطين والحمأة، وهو العجلة أيضا، قال الشاعر: والنبع في الصخرة الصماء منبته والنخل ينبت بين الماء والعجل قال الأزهري: وليس عندي في هذا حكاية عمن يرجع إليه في علم اللغة". وفي البحر المحيط أن أبا عبيدة أنشد هذا البيت، وهو لبعض الحميريين، وأن العجل بلغة حمير هو الطين.