التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

{ وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون ( 36 ) خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ( 37 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 38 ) لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ( 39 ) بل تأتيهم بغتة فتبهتهم 1 فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون2 ( 40 ) ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ( 41 ) } [ 36-41 ] .

في الآيات :

1- حكاية لاستهزاء الكفار أو بالأحرى زعمائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان بعضهم يتساءل حينما يمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو حينما يراه تساؤل المستخف عن هذا الذي بلغت جرأته على ذكر آلهتهم بالسوء ، ويرى في ذلك قحة تستدعي الاستهزاء والسخرية ، ورد عليهم ، فهم أولى بذلك ؛ لأنهم كافرون بالله مع أنه صاحب الفضل والنعم عليهم .

2- وحكاية ثانية لتساؤلهم عن موعد تحقيق العذاب الذي يوعدون به معرض التحدي والجحود ، ورد عليهم فيه تبكيت بعجلتهم التي هي من أخلاق الإنسان الغالبة ، وفيه إنذار رهيب لهم : فلسوف يرون آيات الله الصاعقة . ولو علموا ما سوف يحل بهم من هول النار التي تنصب عليهم بغتة فتذهلهم ، ولن يستطيعوا أن يكفوها عن وجوههم ولا عن ظهورهم ولا يجدون لهم منها نصيرا ، ولن يكون سبيل إلى إمهالها عنهم لما استعجلوا هذه العجلة .

3- التفات إلى النبي في معرض التطمين والتسكين ، فإذا كان الكفار يبدون استخفافهم به وبدعوته فقد نال رسل الله من قبله مثل ذلك فحل بالمستهزئين شر استهزائهم ووباله ، وأن هذا هو شأن هؤلاء الكفار وعاقبتهم أيضا .

والآيات كما هو ظاهر متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا . وموقف الاستخفاف والتساؤل عن العذاب الموعود واستعجاله مما تكررت حكايته عن الكفار ؛ حيث يدل ذلك على أن هذه المواقف كانت تتكرر منهم ، والرد قوي عنيف مفزع حقا ، وهو متناسب مع موقف الإصرار والهزء الذي حكته الآيات عن الكفار .

ولقد ذهب بعض المفسرين {[1359]} في التعليق على جملة { خلق الإنسان من عجل } إلى بعيد ، فقالوا عزوا إلى بعض التابعين : إن آدم لما خلقه الله من طين ونفخ فيه الروح استعجل في النهوض قبل أن تسري الحياة إلى جميع أعضائه ، وأن ذلك هو معنى الجملة ؛ حيث ورث بنو آدم العجلة من أبيهم . . . والمتبادر أن الآية إنما جاءت في معرض التبكيت والتقريع وبأسلوب مألوف من أساليب التخاطب والجدل كما هو المتبادر .


[1359]:انظر تفسير الآية في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبري يورد أقوالا متعددة في ذلك معزوة إلى أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم.