الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

قوله تعالى : " خلق الإنسان من عجل " أي ركب على العجلة فخلق عجولا ، كما قال الله تعالى : " الله الذي خلقكم من ضعف{[11262]} " [ الروم : 54 ] أي خلق الإنسان ضعيفا . ويقال : خلق الإنسان من الشر أي شريرا إذا بالغت في وصفه به . ويقال : إنما أنت ذهاب ومجيء . أي ذاهب جائي . أي طبع الإنسان العجلة ، فيستعجل كثيرا من الأشياء وإن كانت مضرة . ثم قيل : المراد بالإنسان آدم عليه السلام . قال سعيد بن جبير والسدي : لما دخل الروح في عيني آدم عليه السلام نظر في ثمار الجنة ، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام ، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه ، عجلان إلى ثمار الجنة . فذلك قوله : " خلق الإنسان من عجل " . وقيل خلق آدم يوم الجمعة . في آخر النهار ، فلما أحيا الله رأسه استعجل ، وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس ، قاله الكلبي ومجاهد وغيرهما . وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني : العجل الطين بلغة حمير . وأنشدوا :

والنخلُ ينبتُ بينَ الماء والعَجَلِ{[11263]}

وقيل : المراد بالإنسان الناس كلهم . وقيل المراد : النضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار في تفسير ابن عباس ، أي لا ينبغي لمن خلق من الطين الحقير أن يستهزئ بآيات الله ورسله . وقيل : إنه من المقلوب ، أي خلق العجل من الإنسان . وهو مذهب أبي عبيدة . النحاس : وهذا القول لا ينبغي أن يجاب به في كتاب الله ؛ لأن القلب إنما يقع في الشعر اضطرارا كما{[11264]} قال :

كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ{[11265]}

ونظيره هذه الآية : " وكان الإنسان عجولا " [ الإسراء : 11 ] وقد مضى في " سبحان " {[11266]} [ الإسراء : 1 ] . " سأريكم آياتي فلا تستعجلون " هذا يقوي القول الأول ، وأن طبع الإنسان العجلة ، وأنه خلق خلقا لا يتمالك ، كما قال عليه السلام حسب ما تقدم في " الإسراء " . والمراد بالآيات ما دل على صدق محمد عليه السلام من المعجزات ، وما جعله له من العاقبة المحمودة . وقيل : ما طلبوه من العذاب ، فأرادوا الاستعجال وقالوا : " متى هذا الوعد " [ يونس : 48 ] ؟ وما علموا أن لكل شيء أجلا مضروبا . نزلت في النضر بن الحرث . وقول : " إن كان هذا هو الحق " {[11267]} [ الأنفال : 32 ] . وقال الأخفش سعيد : معنى " خلق الإنسان من عجل " أي قيل له كن فكان ، فمعنى " فلا تستعجلون " على هذا القول أنه من يقول للشيء كن فيكون ، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات .


[11262]:راجع جـ 14 ص 46.
[11263]:صدر البيت: *والنبع في الصخرة الصماء منبتة *
[11264]:البيت: للجعدي وصدره: * كانت فريضة ما تقول كما *
[11265]:في ب و جـ و ط و ك و ي: نظير هذه الآية. راجع جـ 10 ص 226.
[11266]:في ب و جـ و ط وك و ي: نظير هذه الآية. راجع جـ 10 ص 226.
[11267]:راجع جـ 7 ص 398.