فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

{ خلق الإنسان من عجل } أي جعل لفرط استعجاله في أحواله كأنه مخلوق من العجل ، وفيه استعارة بالكناية ، والعجل والعجلة ضد البطء ، وقد عجل من باب طرب ، والمعنى أن الإنسان من حيث هو مطبوع على العجلة فيستعجل كثيرا من الأشياء وإن كانت تضره ، وقال الفراء : كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة .

وقال الزجاج : خوطبت العرب بما تعقل ، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء خلقت منه ، كما تقول أنت من لعب وخلقت من لعب ، تريد المبالغة في وصفه بذلك ، ويدل على هذا المعنى قوله : { وكان الإنسان عجولا } والمراد بالإنسان الجنس ، وقيل آدم ، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه من الروح صار الروح في رأسه ، فذهب ينهض قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه فوقع ؛ فقيل : { خلق الإنسان من عجل } كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسدي والكلبي ومجاهد ، ولفظ عكرمة : لما نفخ في آدم الروح صار في رأسه فعطس ، فقال الحمد له ، فقالت الملائكة يرحمك الله ؛ فذهب ينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع ، فقال الله : { خلق الإنسان من عجل } وعن ابن جريج نحوه .

وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني : العجل الطين بلغة حمير ، وقيل إن هذه الآية نزلت في النظر بن الحرث وهو القائل : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الخ ، وقيل نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب ، وقال الأخفش : معناه أنه قيل له كن فكان ، وقيل : إن هذه الآية من المقلوب ، أي خلق العجل من الإنسان لشدة صدوره منه وملازمته له . وقد حكى هذا عن أبي عبيدة والنحاس وأبي عمرو ، والقول الأول أولى .

{ سأريكم آياتي } أي نقماتي منكم ومواعيدي في الآخرة بعذاب النار أو في الدنيا كوقعة بدر { فلا تستعجلون } بالإتيان فإنه نازل بكم لا محالة .

وقيل المراد بالآيات ما دل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات ، وما جعله الله له من العاقبة المحمودة ، والأول أولى ويدل عليه قوله :