السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

ونزل في استعجالهم العذاب { خلق الإنسان من عجل } كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته ، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء : خلقت منه كقولك : خلق زيد من الكرم ، فجعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له ، ولذلك قيل : إنه على القلب أي : خلق العجل من الإنسان ، ومن عجلته مبادرته إلى الكفر ، واستعجال الوعد ، وقال سعيد بن جبير والسدّي : لما دخل الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة ، فوقع ، فقيل : خلق الإنسان من عجل ، والمراد بالإنسان آدم وأورث أولاده العجلة ، وقال قوم : معناه خلق الإنسان يعني آدم عليه السلام من تعجيل في خلق الله تعالى إياه لأن خلقه كان بعد خلق كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة ، فأسرع في خلقه قبل مغيب الشمس ، قال مجاهد : فلما أحيا الروح رأسه قال : يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل بسرعة وتعجيل على غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة وغيرها ، وقال قوم : من عجل أي : من طين قال الشاعر :

والنبع في الصخرة الصماء منبته *** والنخل ينبت بين الماء والعجل

ثم قال تعالى مهدداً للمكذبين : { سأريكم آياتي } أي : مواعيدي بالعذاب { فلا تستعجلون } أي : تطلبون أن أوجد العجلة بالعذاب ، أو غيره فإني منزه عن العجلة التي هي من جملة نقائصكم ؛ لأنها إرادة الشيء قبل أوانه فإن قيل : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله : خلق الإنسان من عجل وقوله تعالى : { وكان الإنسان عجولاً } [ الإسراء ، 11 ] ، أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ أجيب : بأن هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ، وقد أراهم بعض آياته وهو القتل ببدر .