تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

الآية 37 : وقوله تعالى : { خلق الإنسان من عجل } كقوله{[12609]} في آية أخرى : { وكان الإنسان عجولا } [ الإسراء : 11 ] .

قال الحسن : { عجولا } أي ضعيفا ، وضعفه ، هو أن يضيق صدره ، ويحرج عند [ إصابته بأدنى ] {[12610]} شيء حتى يحمله ضيق صدره على أن يدعو على نفسه وعلى مجيئه الهلاك لضيق صدره ، وذلك لضعف{[12611]} فيه .

وعندنا أنه خلقه عجولا حتى لا يصبر على حالة واحدة ، وإن كانت الحالة نعمة ورخاء حتى يمل منها ، ويسأم ، ويريد التحول إلى حالة هي دون تلك الحالة ، ويرضى بشيء دونه .

لكنه ، وإن خلقه على ما أخبر ، جعل في وسعه رياضة نفسه حتى يصير صبورا حليما ، وهو ما أخبر أن { عجولا } { إذا مسه الشر جزوعا } { وإذا مسه الخير منوعا } { إلا المصلين } [ المعارج : 19 و20 و21 و22 ] أخبر أنه خلقه هلوعا ، ثم استثنى المصلين . دل أنه بالرياضة يتحول عن الحالة التي خلقه إلى حالة أخرى ، وهي حالة الحلم والصبر . وكذلك ما أخبر : { وكان الإنسان قتورا } [ الإسراء : 100 ] كان كذلك في الابتداء . لكنه بالرياضة والعادة يصير سخيا جوادا . وكذلك ما قال : { وأحضرت الأنفس الشح } [ النساء : 128 ] ثم قال : { ومن يوق شح نفسه } [ الحشر : 9 والتغابن : 16 ] أخبر أن الأنفس الشح{[12612]} أحضرت ، ثم أخبر أن من { يوق شح نفسه } فله كذا .

دل بهذا كله أنه بالرياضة والعادة يحتمل التحول إلى حالة السخاء والجود{[12613]} بعدما كان شحيحا قتورا بخيلا . فعلى ذلك ما ذكر من العجلة والهلع والجزع يحتمل [ التحول ] {[12614]} بالرياضة والعادة إلى أن يصير حليما صبورا في الأمور غير ملول فيها .

وليست المحنة إلا بالرياضة والعادة . فأمره أن يروض نفسه ، ويعودها بالقيام بجميع ما أمره الله ، ويكفها عن جميع ما نهى عنه ، فيعتاد اتباع أمره والانتهاء عن نهيه ، والله الموفق .

وقوله تعالى : { سأوريكم آياتي فلا تستعجلون } يشبه أن يكونوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات على رسالته أنه رسول ، أو سألوا آيات على وحدانية الله وربوبيته ، فقال : { سأوريكم آياتي } من الوجه الذي يريد ربي ، ويبين لكم ذلك لا من الوجه الذي تريدون أنتم ، وتسألونه .

وقال أهل التأويل : { سأوريكم آياتي } في ما نزل من العذاب فيهم وفي منازلهم { فلا تستعجلون } /339-ب/ أنتم العذاب على من كان قبلكم من الأمم بتكذيبهم الرسل . فإن سافرتم ، وضربتم في الأرض رأيتم آثار العذاب فيهم وفي منازلهم { فلا تستعجلون } أنتم العذاب الذي يعد لكم الرسول ؛ كان يخوفهم العذاب ، ويعد لهم إياه [ إن يكذبوه ] {[12615]} في ذلك ، فقال عند ذلك ما قال .


[12609]:في الأصل و م: وقال.
[12610]:في الأصل و م: أصابه أدنى.
[12611]:في الأصل و م: لضعفه.
[12612]:أدرجت في الأصل و م بعد: أحضرت.
[12613]:في الأصل و م: والجواد.
[12614]:ساقطة من الأصل و م.
[12615]:في الأصل و م: فكذبوه.