البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} (37)

ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم { الإنسان } على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه { خلق } { من عجل } وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيراً .

كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب ، وفي الحديث « لست من دد ولا دد مني » وقال الشاعر :

وإنّا لمما يضرب الكبش ضربة *** على رأسه تلقى اللسان من الفم

لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال : إنهم من الضرب ، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله { سأريكم آياتي } أي آيات الوعيد { فلا تستعجلون } في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به ، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه ، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر .

قيل : فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء .

وقالوا : عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله :

حسرت كفي عن السربال آخذه . . .

وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدّي والضحاك ومقاتل والكلبي { الإنسان } هنا آدم .

قال مجاهد : لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال : يا رب عجل تمام خلقي قبل أن تغيب الشمس .

وقال سعيد : لما بلغت الروح ركبتيه كاد يقوم فقال الله { خلق الإنسان من عجل } .

وقال ابن زيد : خلقه الله يوم الجمعة على عجلة في خلقه .

وقال الأخفش { من عجل } لأن الله قال له كن فكان .

وقال الحسن : { من عجل } أي ضعيف يعني النطفة .

وقيل : خلق بسرعة وتعجيل على غير تريب الآدميين من النطفة والعلقة والمضغة ، وهذا يرجع لقول الأخفش .

وقيل : { من عجل } من طين والعجل بلغة حمير الطين .

وأنشد أبو عبيدة لبعض الحميريين :

النبع في الصخرة الصماء منبته . . .

والنخل منبته في الماء والعجل

وقيل : { الإنسان } هنا النضر بن الحارث والذي ينبغي أن تحمل الآية عليه هو القول الأول وهو الذي يناسب آخرها .

والآيات هنا قيل : الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، أي يأتيكم في وقته .

وقيل : أدلة التوحيد وصدق الرسول .

وقيل : آثار القرون الماضية بالشام واليمن ، والقول الأول أليق أي سيأتي ما يسوؤكم إذا دمتم على كفركم ، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا وفي الآخرة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله { خلق الإنسان من عجل } وقوله { وكان الإنسان عجولاً } أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ قلت : هذا كما ركب فيه من الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة انتهى .

وهو على طريق الاعتزال .

وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم { خَلَقَ } مبنياً للفاعل { الإنسان } بالنصب أي { خلق } الله { الإنسان }