ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم { الإنسان } على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه { خلق } { من عجل } وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيراً .
كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب ، وفي الحديث « لست من دد ولا دد مني » وقال الشاعر :
وإنّا لمما يضرب الكبش ضربة *** على رأسه تلقى اللسان من الفم
لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال : إنهم من الضرب ، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله { سأريكم آياتي } أي آيات الوعيد { فلا تستعجلون } في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به ، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه ، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر .
قيل : فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء .
وقالوا : عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله :
حسرت كفي عن السربال آخذه . . .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدّي والضحاك ومقاتل والكلبي { الإنسان } هنا آدم .
قال مجاهد : لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال : يا رب عجل تمام خلقي قبل أن تغيب الشمس .
وقال سعيد : لما بلغت الروح ركبتيه كاد يقوم فقال الله { خلق الإنسان من عجل } .
وقال ابن زيد : خلقه الله يوم الجمعة على عجلة في خلقه .
وقال الأخفش { من عجل } لأن الله قال له كن فكان .
وقال الحسن : { من عجل } أي ضعيف يعني النطفة .
وقيل : خلق بسرعة وتعجيل على غير تريب الآدميين من النطفة والعلقة والمضغة ، وهذا يرجع لقول الأخفش .
وقيل : { من عجل } من طين والعجل بلغة حمير الطين .
وأنشد أبو عبيدة لبعض الحميريين :
النبع في الصخرة الصماء منبته . . .
وقيل : { الإنسان } هنا النضر بن الحارث والذي ينبغي أن تحمل الآية عليه هو القول الأول وهو الذي يناسب آخرها .
والآيات هنا قيل : الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، أي يأتيكم في وقته .
وقيل : أدلة التوحيد وصدق الرسول .
وقيل : آثار القرون الماضية بالشام واليمن ، والقول الأول أليق أي سيأتي ما يسوؤكم إذا دمتم على كفركم ، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا وفي الآخرة .
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله { خلق الإنسان من عجل } وقوله { وكان الإنسان عجولاً } أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ قلت : هذا كما ركب فيه من الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة انتهى .
وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم { خَلَقَ } مبنياً للفاعل { الإنسان } بالنصب أي { خلق } الله { الإنسان }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.