في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (4)

1

اعبدوه ولا تشركوا به شيئا . فإن مرجعكم إليه ، وحسابكم عنده ، وهو يجزي المؤمنين والكافرين :

( إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا ) . .

إليه وحده لا للشركاء والشفعاء .

وقد وعد فلا خلف ولا تخلف ، فالبعث هو تتمة الخلق :

( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ، والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) . .

فالعدل في الجزاء غاية من غايات الخلق والإعادة :

( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط . . . ) .

والنعيم بلا منغصات وبدون عقابيل تعقب اللذة غاية من غايات الخلق والإعادة . إنها قمة الكمال البشري الذي يمكن أن تصل إليه البشرية . والبشرية لا تصل إلى شيء من هذا في هذه الأرض وفي هذه الحياة الدنيا المشوبة بالقلق والكدر ، والتي لا تخلو فيها لذة من غصة ، أو من عقابيل تعقبها - إلا لذائذ الروح الخالصة وهذه قلما تخلص لبشر - ولو لم يكن في هذه الحياة الدنيا إلا الشعور بنهاية نعيمها لكان هذا وحده ناقصا منها وحائلا دون كمالها . فالبشرية لا تصل في هذه الأرض إلى أعلى الدرجات المقدرة لها ، وهي التخلص من النقص والضعف ومعقباتهما ، والاستمتاع بلا كدر ولا خوف من الفوت ولا قلق من الانتهاء . . وهذا كله تبلغه في الجنة كما وصف القرآن نعيمها الكامل الشامل . فلا جرم يكون من غاية الخلق والإعادة إبلاغ المهتدين من البشرية ، الذين اتبعوا سنة الحياة الصحيحة وناموس الحياة القويم ، إلى أعلى مراتب البشرية .

فأما الذين كفروا فقد خالفوا عن الناموس ، فلم يسيروا في طريق الكمال البشري ، بل جانبوه . وهذا يقتضي - حسب السنة التي لا تتخلف - ألا يصلوا إلى مرتبة الكمال ، لأنهم جانبوا قانون الكمال ؛ وأن يلقوا عاقبة انحرافهم كما يلقى المريض عاقبة انحرافه عن قوانين الصحة الجسدية . هذا يلقاه مرضا وضعفا ، وأولئك يلقونه ترديا وانتكاسا ، وغصصا بلا لذائذ - في مقابل اللذائذ بلا غصص .

( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (4)

{ إليه مرجعكم جميعا } بالموت أو النشور لا إلى غيره فاستعدوا للقائه . { وعد الله } مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله { إليه مرجعكم } وعد من الله . { حقا } مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه { وعد الله } { إنه يبدأ الخلق ثم يعيده } بعد بدئه وإهلاكه . { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم كما أن الشرك ظلم عظيم وهو الأوجه لمقابلة قوله : { والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون } فإن معناه ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم ، لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب والتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة والعقاب واقع بالعرض ، وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه ، واما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم . والآية كالتعليل لقوله تعالى : { إليه مرجعكم جميعا } فإنه لما كان المقصود من الإبداء والإعادة مجازاة الله المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة ، ويؤديه قراءة من قرأ " أنه يبدأ " بالفتح أي لأنه ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب { وعد الله } أو بما نصب { حقا } .