تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (4)

فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام ، وحكمه الديني وهو شرعه ، الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له ، ذكر الحكم الجزائي ، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت ، فقال : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } أي : سيجمعكم بعد موتكم ، لميقات يوم معلوم .

{ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده } فالقادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته ، والذي يرى ابتداءه بالخلق ، ثم ينكر إعادته للخلق ، فهو فاقد العقل منكر لأحد المثلين مع إثبات ما هو أولى منه ، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد . وقد ذكر الدليل النقلي فقال : { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } أي : وعده صادق لا بد من إتمامه { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به .

{ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم ، من واجبات ، ومستحبات ، { بِالْقِسْطِ } أي : بإيمانهم وأعمالهم ، جزاء قد بينه لعباده ، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بآيات الله وكذبوا رسل الله .

{ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } أي : ماء حار ، يشوي الوجوه ، ويقطع الأمعاء . { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } من سائر أصناف العذاب { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } أي : بسبب كفرهم وظلمهم ، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون .