فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ} (4)

ثم بيّن لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا ، فقال : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى ، وانتصاب : { وَعَدَ الله } على المصدر ؛ لأن في قوله : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر ، والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه : إما بالموت ، أو بالبعث ، أو بكل واحد منهما ، ثم أكد ذلك الوعد بقوله : { حَقّاً } فهو تأكيد لتأكيد ، فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك . وقرأ ابن أبي عبلة { وَعْدَ الله حَقٌّ } على الاستئناف ، ثم علل سبحانه ما تقدّم بقوله : { إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي : إن هذا شأنه يبتدئ خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب ، أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة . قال مجاهد : ينشئه ثم يميته ، ثم يحييه للبعث ؛ وقيل ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال . وقرأ يزيد بن القعقاع : { أنه يبدأ الخلق } بفتح الهمزة ، فتكون الجملة في وضع نصب بما نصب به وعد الله : أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق ، وأجاز الفراء أن تكون «أن » في موضع رفع ، فتكون اسماً .

قال أحمد بن يحيى بن ثعلب يكون التقدير حقاً إبداؤه الخلق ، ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال : { لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط } أي : بالعدل الذي لا جور فيه { والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفاً على الموصول الأوّل : أي ليجزي الذين آمنوا ، ويجزي الذين كفروا ، وتكون جملة : { لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ } في محل نصب على الحال ، هي وما عطف عليها : أي وعذاب أليم ، ويكون التقدير هكذا ، ويجزي الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ، ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ، ويمكن أن يقال : إن الموصول في { والذين كَفَرُواْ } مبتدأ وما بعده خبره ، فلا يكون معطوفاً على الموصول الأوّل ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } للسببية : أي بسبب كفرهم ، والحميم : الماء الحار ، وكل مسخن عند العرب ، فهو حميم .

/خ4