في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

77

( ولله غيب السماوات والأرض . وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب . إن الله على كل شيء قدير ) . وقضية البعث إحدى قضايا العقيدة التي لقيت جدلا شديدا في كل عصر ، ومع كل رسول . وهي غيب من غيب الله الذي يختص بعلمه . ( ولله غيب السماوات والأرض )وإن البشر ليقفون أمام أستار الغيب عاجزين قاصرين ، مهما يبلغ علمهم الأرضي ، ومهما تتفتح لهم كنوز الأرض وقواها المذخورة . وإن أعلم العلماء من بني البشر ليقف مكانه لا يدري ماذا سيكون اللحظة التالية في ذات نفسه . أيرتد نفسه الذي خرج أم يذهب فلا يعود ! وتذهب الآمال بالإنسان كل مذهب ، وقدره كامن خلف ستار الغيب لا يدري متى يفجؤه ، وقد يفجؤه اللحظة . وإنه لمن رحمة الله بالناس أن يجهلوا ما وراء اللحظة الحاضرة ليؤملوا ويعملوا وينتجوا وينشئوا ، ويخلفوا وراءهم ما بدؤوه يتمه الخلف حتى يأتيهم ما خبى ء لهم خلف الستار الرهيب .

والساعة من هذا الغيب المستور . ولو علم الناس موعدها لتوقفت عجلة الحياة ، أو اختلت ، ولما سارت الحياة وفق الخط الذي رسمته لها القدرة ، والناس يعدون السنين والأيام والشهور والساعات واللحظات لليوم الموعود ! ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) . . فهي قريب . ولكن في حساب غير حساب البشر المعلوم . وتدبير أمرها لا يحتاج إلى وقت . طرفة عين . فإذا هي حاضرة مهيأة بكل أسبابها ( إن الله على كل شيء قدير )وبعث هذه الحشود التي يخطئها الحصر والعد من الخلق ، وانتفاضها ، وجمعها ، وحسابها ، وجزاؤها . . كله هين على تلك القدرة التي تقول للشيء : كن . فيكون . إنما يستهول الأمر ويستصعبه من يحسبون بحساب البشر ، وينظرون بعين البشر ، ويقيسون بمقاييس البشر . . ومن هنا يخطئون التصور والتقدير !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

{ ولله غيب السماوات والأرض } ، يختص به علمه لا يعلمه غيره ، وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوسا ولم يدل عليه محسوس . وقيل يوم القيامة ؛ فإن علمه غائب عن أهل السماوات والأرض . { وما أمر الساعة } ، وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته . { إلا كلمح البصر } ، إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها . { أو هو أقرب } ، أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة ، بل الآن الذي تبتدئ فيه ، فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعة كان في آن ، و{ أو } للتخيير أو بمعنى بل . وقيل : معناه أن قيام الساعة وإن تراخى ، فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه . { إن الله على كل شيء قدير } ، فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة ، كما قدر أن أحياهم متدرجا .