تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

الآية 77 : وقوله تعالى : { ولله غيب السماوات والأرض } ، هذا يحتمل وجوها :

( أحدها ){[10363]} : ما ذكر أهل التأويل من السؤال عن الساعة وعن وقتها كقوله : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها } ، لوقت قيامها { إلا هو } ، لا يعلمه غيره .

والثاني : ولله علم ما غيب أهل السماوات وأهل الأرض ، أي ما غيب بعضهم من بعض ، فذلك ليس بمغيب عن الله ، بل ما غاب عن الخلق وما ظهر لهم ، فذلك لله كله ظاهر بمحل واحد ، وهو كقوله : { يعلم ما تسرون وما تعلنون } ( النحل : 19 ) .

والثالث : قوله : { ولله ما في السماوات والأرض } ، أي : له علم ما في سرية هذه الأشياء الظاهرة ما لا سبيل للخلق إلى علم ذلك ، وإن كانوا هذه الأجسام والأشياء الظاهرة ، وتقع حواسهم عليها ، لا يعلمون ما سريتها ؟ من نحو الماء الذي به حياة كل شيء ، ونحو النطفة التي يخلق منها الإنسان ، لا يعلمون المعنى الذي به يصير إنسانا . ومن نحو السمع والبصر والعقل ، يعلمون ، ويرون {[10364]} ظواهر الحواس ، ولكن لا يدركون المعنى الذي به يسمع ، وبه يبصر ، وبه يعقل ، ويفهم .

( والرابع ){[10365]} يقول ، والله أعلم : ( ولله علم ) {[10366]} ما غاب عن الخلق ما في هذه الأشياء الظاهرة والأجسام المرئية ، أو يقول : ولله ملك ما غاب عن أهل السماوات والأرض ، وملك ما لم يغب عنهم وظهر ، فيكون كقوله : { ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير } ( آل عمران : 189 ) ، كأنه قال ، والله أعلم : ولله العلم الذي غيب عن أهل السماوات وأهل الأرض ، وهي الساعة ، لم يطلع عليها غيره .

وقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } قال بعضهم : قوله : { وما أمر الساعة } أهون على الله وأيسر من لمح البصر ؛ إذ ليس شيء أيسر وأهون على الإنسان من لمح البصر ؛ لأنه يلمح ببصره ، فيبصر به لحظة ما بين الأرض والسماء ، وهو مسيرة خمس مئة عام .

يقول : من قدر أن ينشئ في خلق من خلائقه ما يبصره بلمحة البصر مسيرة خمس مئة عام ، ( فهو قادر ) {[10367]} على إعادة الخلق وبعثهم بعد الفناء ، بل هو أقرب ، أي إعادته إياهم أسرع وأقرب من لمح البصر . إلى هذا يذهب الحسن .

وقال بعضهم : { وما أمر الساعة } ، أي : ما وقت قيام الساعة إلا كلمح البصر ، ليس بين وقت قيامها وبين كونها { إلا كلمح البصر } ؛ لما ليس شيء عند الناس أسرع وأهون من لمح البصر ، لما ذكرنا أنه يلمح ، ولا يشعر به لسرعته ولخفته عليه . فذكر هذا على التمثيل ليس على إرادة حقيقة الوقت بقدر لمح البصر ، ولكن على المبالغة في السرعة ، وذكر أقصى ما يقع في الأوهام ، ويتصور ، من نحو ما قال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 و 8 ) ، وقال : { ما يملكون من قطمير } ، ( فاطر : 13 ) ( وقال ) {[10368]} : { ولا يظلمون فتيلا } [ الإسراء : 41 ]( وما قال : ){[10369]}{ ولا يظلمون نقيرا } ( النساء : 124 ) ، وأمثاله كله يذكر على التمثيل ، ليس على التحقيق ، أي : ما يعمل من قليل أو كثير يره شرا كان أو خيرا . وكذلك لا يُظلمون فتيلا ونقيرا ، أي : لا يُظلمون شيئا . وكذا { ما يملكون من قطمير } ، أي : لا يملكون شيئا . لأن القِطْمِير لا يُمْلَك . فإنما يذكر لهذا وأمثاله على التمثيل الذي ذكرنا .

أو يكون تأويل قوله : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر } ، أي : ليس ما بين الساعة وبينكم مما مضى من الوقت إلا قدر البصر ، أي : لم يبق من وقت قيامها مما مضى إلا ما ذكر من لمح البصر أو أقرب مما ذكر ، على الاستقصار لما {[10370]} بقي . { إن الله على كل شيء قدير } ، على البعث والإعادة ، على كل شيء ، لا يُعجزه شيء .

وظاهر الآية ينقض على المعتزلة قولهم ؛ لإنكارهم خلق أفعال العباد ؛ لأنه أخبر أنه على كل شيء قدير ، وعلى قولهم : هو غير قادر على ألف ألفِ شيء .


[10363]:ساقطة من الأصل وم.
[10364]:في الأصل وم: ويريدون.
[10365]:ساقطة من الأصل وم.
[10366]:من م ساقطة من الأصل.
[10367]:في الأصل وم: لقادر.
[10368]:ساقطة من الأصل وم.
[10369]:ساقطة من الاصل وم.
[10370]:في الأصل وم: مما.