فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

{ وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 77 ) }

ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين مدح نفسه بقوله : { وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ، أي : يختص ذلك به لا يشاركه فيه غيره ولا يستقل به ، والمراد علم ما غاب عن العباد فيهما ، أو أراد بغيبهما يوم القيامة ؛ لأن علمه غائب عن العباد ، ومعنى الإضافة إليهما : التعلق بهما ، والمراد التوبيخ للمشركين والتقريع لهم ، أي : أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته ، لا من كان جاهلا عاجزا لا يضر ولا ينفع ، ولا يعلم بشيء من أنواع العلم .

{ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ } التي هي أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه ، وهو إماتة الأحياء ، وإحياء الأموات من الأولين والآخرين ، وتبديل صور الأكوان أجمعين ، أو المعنى : ما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته { إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ } ، أي : كرجع طرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها ، وإنما ضرب به المثل ؛ لأنه لا يعرف زمان أقل منه ، واللمح : النظر بسرعة ، ولا بد فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئي ، وكل زمان قابل للتجزئة ؛ ولذا قال : { أَوْ هُوَ } ، أي : بل أمرها { أَقْرَبُ } منه ، بأن يكون من زمان نصف تلك الحركة ، بل في الآن الذي تبتدأ فيه ، فإن الله تعالى يحيي الخلق دفعة ، وما يوجد دفعة كان في آن ، أي : جزء غير منقسم .

وليس هذا من قبيل المبالغة بل هو كلام في غاية الصدق ؛ لأن مدة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية ، ومنها إلى الأبد غير متناه ، ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي . أو يقال إن الساعة لما كانت آتية ولا بد ، جعلت في القرب كلمح البصر . وقال الزجاج : لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر ، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها ؛ لأنه يقول للشيء كن فيكون .

وقيل : المعنى : هي عند الله كذلك ، وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة ، ومثله قوله سبحانه : { إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا } ، ولفظ { أو } ، ليس للشك ، بل للتمثيل أو للتخيير ، وقيل : دخلت لشك المخاطب ، وقيل : هي بمنزلة بل . { إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته .