فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين ، مدح نفسه بقوله : { وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض } أي : يختصّ ذلك به ، لا يشاركه فيه غيره ، ولا يستقل به ، والمراد : علم ما غاب عن العباد فيهما ، أو أراد بغيبهما يوم القيامة ، لأن علمه غائب عن العباد ، ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما . والمعنى : التوبيخ للمشركين والتقريع لهم ، أي : أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته لا من كان جاهلاً عاجزاً لا يضرّ ولا ينفع ولا يعلم بشيء من أنواع العلم { وَمَا أَمْرُ الساعة } التي هي أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه { إِلاَّ كَلَمْحِ البصر } اللمح : النظر بسرعة ، ولا بدّ فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئي ، وكل زمان قابل للتجزئة ، ولذا قال : { أَوْ هُوَ } أي : أمرهما { أَقْرَبُ } وليس هذا من قبيل المبالغة ، بل هو كلام في غاية الصدق ، لأن مدّة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية ، ومنها إلى الأبد غير متناه ، ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي ؛ أو يقال : إن الساعة لما كانت آتية ولا بدّ جعلت من القرب كلمح البصر . وقال الزجاج : لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر ، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها ، لأنه يقول للشيء كن فيكون ، وقيل : المعنى هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة . ومثله قوله سبحانه : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ المعارج : 6 - 7 ] . ولفظ «أو » في { أو هو أقرب } ليس للشك ، بل للتمثيل . وقيل : دخلت لشك المخاطب ، وقيل : هي بمنزلة بل { إِنَّ الله على كُلِّ شَيء قَدِيرٌ } ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته .

/خ79