ثم يقفهم وجها لوجه أمام مشهد شاخص لهم في يوم الحساب الذي كانوا يجحدون :
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار . أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها . فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ) . .
والمشهد سريع حاسم ، ولكنه يتضمن لفتة عميقة عريضة . إنه مشهد العرض على النار . وفي مواجهتها وقبيل سوقهم إليها ، يقال لهم عن سبب عرضهم عليها وسوقهم إليها : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) . . فقد كانوا يملكون الطيبات إذن ، ولكنهم استنفدوها في الحياة الدنيا ، فلم يدخروا للآخرة منها شيئا ؛ واستمتعوا بها غير حاسبين فيها للآخرة حسابا . استمتعوا بها استمتاع الأنعام للحصول على اللذة بالمتاع ، غير ناظرين فيها للآخرة ، ولا شاكرين لله نعمته ، ولا متورعين فيها عن فاحش أو حرام . ومن ثم كانت لهم دنيا ولم تكن لهم آخرة . واشتروا تلك اللمحة الخاطفة على الأرض بذلك الأمد الهائل الذي لا يعلم حدوده إلا الله !
( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ) . .
وكل عبد يستكبر في الأرض فإنما يستكبر بغير حق . فالكبرياء لله وحده . وليست لأحد من عباده في كثير أو قليل . وعذاب الهون هو الجزاء العدل على الاستكبار في الأرض . فجزاء الاستكبار الهوان . وجزاء الفسوق عن منهج الله وطريقه الانتهاء إلى هذا الهوان أيضا . فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وهكذا ينتهي هذا الشوط من السورة بعرض ذينك النموذجين ومصيرهما في النهاية ؛ وبهذا المشهد المؤثر للمكذبين بالآخرة ، الفاسقين عن منهج الله ، المستكبرين عن طاعته . وهي لمسة للقلب البشري تستجيش الفطر السليمة القويمة لارتياد الطريق الواصل المأمون .
{ أذهبتم طيباتكم في حياتكم } : أي يقال لهم أذهبتم طيباتكم باشتغالكم بملذاتكم في الدنيا .
{ واستمتعتم بها } : أي تمتعتم بها في الحياة الدنيا .
{ فاليوم تجزون عذاب الهون } : أي جزاؤكم عذاب الهوان .
{ بما كنتم تستكبرون في الأرض } : أي تتكبرون في الأرض .
{ بغير الحق } : أي إذ لا حق لكم في الكبر والكبرياء لله ، ولم يأذن لكم فيه .
{ وبما كنتم تفسقون } : أي تخرجون عن طاعة الله ورسوله .
وقوله تعالى { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين يوم يعرضون على النار ويقال لهم في توبيخ وتقريع { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } أي بإقبالكم على الشهوات والملاذ ناسين الدار الآخرة فاستمتعتم بكل الطيبات ولم تبقوا للآخرة شيئا { فاليوم تجزون عذاب الهون } أي الهوان { بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق } إذ لا حق لكم في الكبر لضعفكم وعجزكم إنما الكبرياء لله الملك الحق أما أنتم فقد ظلمتم باستكباركم عن الإِيمان بربكم ولقائه وعن طاعته { وبما كنتم تفسقون } أي وبفسقكم عن طاعة ربكم وطاعة رسوله . إذاً فادخلوا جهنم داخرين .
- التحذير من الانغماس في الملاذ والشهوات والاستمتاع .
- التحذير من الكبر والفسق وأن الكبر من أعمال القلوب والفسق من أعمال الجوارح .
- مدى فهم السلف الصالح لهذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها .
1 ) قرأ يزيد حتى بلغ { وبما كنتم تفسقون } ثم قال تعلمون والله إن أقواما يسترطون حسناتهم استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوة إلا بالله .
2 ) روى أن عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت لكنت أطيبكم طعام وألينكم لباسا ، ولكن استبقي طيباتي .
وذُكِر أنه لمّا قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله ، قال هذا لنا لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ فقال له خالد بن الوليد لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه وقال لئن كان حظنا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا وبنا بعيدا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.