( وأنه تعالى جد ربنا ، ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) . .
والجد : الحظ والنصيب . وهو القدر والمقام . وهو العظمة والسلطان . . وكلها إشعاعات من اللفظ تناسب المقام . والمعنى الإجمالي منها في الآية هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله - سبحانه - وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة - أي زوجة - وولدا بنين أو بنات !
وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن ! فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية في تسبيح لله وتنزيه ، واستنكاف من هذا التصور أن يكون ! وكانت الجن حرية أن تفخر بهذا الصهر الخرافي الأسطوري لو كان يشبه أن يكون ! فهي قذيفة ضخمة تطلق على ذلك الزعم الواهي في تصورات المشركين ! وكل تصور يشبه هذه التصورات ، ممن زعموا أن لله ولدا سبحانه في أية صورة وفي أي تصوير !
{ وأنه تعالى جد ربنا } جد الله جلاله وعظمته وقيل : معناه : من قولك فلان مجدود إذا استغنى وقرئ أنه في هذا الموضع بفتح الهمزة وكسرها وكذلك فيما بعده إلى قوله : { وأنا منا المسلمون } [ الجن : 14 ] فأما الكسر فاستئناف أو عطف على إنا سمعنا لكنه كسر في معمول القول فيكون ما عطف عليه من قول : { الجن } وأما الفتح فقيل : إنه عطف على قوله : { أنه استمع نفر } وهذا خطأ من طريق المعنى لأن قوله استمع نفر في موضع معمول أوحي فيلزم أن يكون المعطوف عليه مما أوحي وأن لا يكون من كلام الجن وقيل : إنه معطوف على الضمير المجرور في قوله : { آمنا به } وهذا ضعيف لأن الضمير المجرور لا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض وقال الزمخشري : هو معطوف على محل الجار والمجرور في { آمنا به } كأنه قال : صدقناه وصدقنا .
{ أنه تعالى جد ربنا } وكذلك ما بعده ولا خلاف في فتح ثلاث مواضع وهي : { أنه استمع } ، { وألو استقاموا } ، { وأن المساجد لله } ؛ لأن ذلك مما أوحي لا من كلام الجن .
ولما أظهروا القوتين{[68974]} العلمية بفهمهم القرآن ، والعملية بما حصل لهم من الإذعان ، أعملوا ما لهم في الدعاء إلى الله تعالى من قوة البيان ، فبعد أن نزهوه سبحانه عن الشرك عموماً خصوا مؤكدين في قراءة ابن كثير والبصريين وأبي جعفر بالكسر لما تقدم من أن مثل هذه السهولة لا تكاد تصدق ، فقالوا عطفاً على { إنا سمعنا } [ الجن : 1 ] : { وأنه } أي الشأن العظيم{[68975]} قال الجن : { تعالى } أي انتهى في العلو {[68976]}والارتفاع{[68977]} إلى حد{[68978]} لا يستطاع { جد } أي عظمة وسلطان وكمال غنى { ربنا } أي الموجد لنا والمحسن إلينا ، وإذا كان هذا التعالي لجده فما بالك به ، وكذا حكت هذه القراءة بقول الجن ما بعد هذا إلا
وأن لو استقاموا }[ الجن : 16 ] و
{ أن المساجد لله }{[68979]}[ الجن : 18 ] و
{ أنه لما قام }[ الجن : 19 ] فإنه مفتوح فيها عطفاً على الموحى به فهو في محل رفع إلا عند أبي جعفر فإنه فتح { وأنه تعالى } [ الجن : 3 ] {[68980]}و { أنه كان يقول{[68981]} } [ الجن : 4 ]
{ وأنه كان رجال }[ الجن : 6 ] ووافقهم نافع وأبو بكر عن عاصم في غير
{ وأنه لما قام }[ الجن : 19 ] فإنهما كسراها وفتح الباقون وهم ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم الكل إلا ما صدر بالفاء{[68982]} على أنه معطوف على محل الجار في " به " أي صدقناه وصدقنا أنه - لا على لفظه{[68983]} وإلا لزم إعادة الجارّ عند نحاة البصرة ، وقيل : عطف على لفظ الضمير في " به " على المذهب الكوفي الذي نصره أبو حيان وغير واحد من أهل اللسان .
ولما وصفوه بهذا التعالي الأعظم المستلزم للغنى المطلق والتنزه عن كل شائبة نقص ، بينوه بنفي ما ينافيه{[68984]} بقولهم إبطالاً للباطل : { ما اتخذ } عبر بصيغة الافتعال بياناً لموضع النقص لا تقييداً { صاحبة } أي زوجة { ولا ولداً * } لأن العادة جارية بأنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة{[68985]} وتسبيب ، ومثل ذلك لا يكون إلا لمحتاج إلى بضاع أو غيره ، والحاجة لا تكون إلا من ضعف وعجز ، وذلك ينافي{[68986]} الجد ، فالمحتاج لا يصح أصلاً أن يكون إلهاً وإن كان بغير تسبيب ومهلة ، فهو عبث لأن مطلق الاختراع مغن عنه ، فلم يبق إلا العبث الذي ينزه الإله عنه والصاحبة لا بد و{[68987]}أن تكون من نوع صاحبها ، ومن له نوع{[68988]} فهو مركب تركيباً عقلياً من صفة مشتركة وصفة مميزة ، والولد لا بد وأن يكون جزءاً منفصلاً عن والده ، ومن له أجزاء فهو مركب تركيباً حسياً ، ومن المقطوع به أن ذلك لا يكون إلا لمحتاج ، وأن الله تعالى متعال عن ذلك من تركيب حسي أو عقلي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.