في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

40

ومع الإطماع في الفضل والنعمة ، التحذير من اليوم الذي يأتي وصفه :

( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) . .

فالتبعة فردية ، والحساب شخصي ، وكل نفس مسؤولة عن نفسها ، ولا تغني نفس عن نفس شيئا . . وهذا هو المبدأ الإسلامي العظيم . مبدأ التبعة الفردية القائمة على الإرادة والتمييز من الإنسان ، وعلى العدل المطلق من الله . وهو أقوم المباديء التي تشعر الإنسان بكرامته ، والتي تستجيش اليقظة الدائمة في ضميره . وكلاهما عامل من عوامل التربية ، فوق أنه قيمة إنسانية تضاف إلى رصيده من القيم التي يكرمه بها الإسلام .

( ولا يقبل منها شفاعة . ولا يؤخذ منها عدل ) .

فلا شفاعة تنفع يومئذ من لم يقدم إيمانا وعملا صالحا ؛ ولا فدية تؤخذ منه للتجاوز عن كفره ومعصيته .

( ولا هم ينصرون ) . .

فما من ناصر يعصمهم من الله ، وينجيهم من عذابه . . وقد عبر هنا بالجمع باعتبار مجموع النفوس التي لا تجزي نفس منها عن نفس ، ولا يقبل منها شفاعة ، ولا يؤخذ منها عدل ، وانصرف عن الخطاب في أول الآية إلى صيغة الغيبة في آخرها للتعميم . فهذا مبدأ كلي ينال المخاطبين وغير المخاطبين من الناس أجمعين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

لما ذكرهم [ الله ]{[1708]} تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حُلُول نقمه بهم يوم القيامة فقال : { وَاتَّقُوا يَوْمًا } يعني : يوم القيامة { لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ الأنعام : 164 ] ، وقال : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] ، وقال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } [ لقمان : 33 ] ، فهذه{[1709]} أبلغ المقامات : أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : { وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } يعني عن الكافرين ، كما قال : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 110 ، 111 ] ، وقوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي : لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ } [ آل عمران : 91 ] وقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 36 ] وقال تعالى : { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا } [ الأنعام : 70 ] ، وقال : { فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } الآية [ الحديد : 15 ] ، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا ، كما قال تعالى : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 254 ] ، وقال { لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ } [ إبراهيم : 31 ] .

[ وقال سنيد : حدثني حجاج ، حدثني ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قال ابن عباس : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال : بدل ، والبدل : الفدية ، وقال السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] {[1710]} . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } يعني : فداء .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن علي ، رضي الله عنه ، في حديث طويل ، قال : والصرف والعدل : التطوع والفريضة .

وكذا قال الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة{[1711]} ، عن عمير بن هانئ .

وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهو ما قال ابن جرير : حدثني نَجِيح بن إبراهيم ، حدثنا علي بن حكيم ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عَمْرو بن قيس الملائي{[1712]} ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - قال : قيل : يا رسول الله ، ما العدل ؟ قال : " العدل الفدية " {[1713]} .

وقوله تعالى : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء . هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما قال : { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ } [ الطارق : 10 ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فِدْيَة ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما قال تعالى : { وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ } [ المؤمنون : 88 ] . وقال { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 26 ] ، وقال { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 25 ، 26 ] ، وقال { فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ } الآية [ الأحقاف : 28 ] .

وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ } ما لكم اليوم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم .

قال{[1714]} ابن جرير : وتأويل قوله : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } يعني : أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بَطَلت هنالك{[1715]} المحاباة واضمحلت الرَّشى والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل{[1716]} الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة{[1717]} أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 24 - 26 ] .


[1708]:زيادة من و.
[1709]:في جـ، ط، ب: "فهذا".
[1710]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1711]:في جـ، أ: "العالية".
[1712]:في جـ: "الملا".
[1713]:تفسير الطبري (2/34).
[1714]:في جـ: "وقال".
[1715]:في جـ: "هنا".
[1716]:في جـ، ط، ب: "العدل".
[1717]:في جـ: "فيجزي بالسيئة مثلها والحسنة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

{ واتقوا يوما } أي ما فيه من الحساب والعذاب .

{ لا تجزي نفس عن نفس شيئا } لا تقضي عنها شيئا من الحقوق ، أو شيئا من الجزاء فيكون نصبه على المصدر ، وقرئ لا { تجزئ } من أجزأ عنه إذا أغنى وعلى هذا تعين أن يكون مصدرا ، وإيراده منكرا مع تنكير النفسين للتعميم والإقناط الكلي والجملة صفة ليوما ، والعائد فيها محذوف تقديره لا تجزي فيه ، ومن لم يجوز حذف العائد المجرور قال اتسع : فيه فحذف عنه الجار وأجري مجرى المفعول به ثم حذف كما حذف من قوله : أم مال أصابوا .

{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } أي من النفس الثانية العاصية ، أو من الأولى ، وكأنه أريد بالآية نفي أن يدفع العذاب أحد عن أحد من كل وجه محتمل ، فإنه إما أن يكون قهرا أو غيره ، والأول النصرة ، والثاني إما أن يكون مجانا أو غيره . والأول أن يشفع له والثاني إما بأداء ما كان عليه وهو أن يجزي عنه ، أو بغيره وهو أن يعطى عنه عدلا . والشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه ، والعدل الفدية . وقيل : البدل وأصله التسوية سمي به الفدية لأنها سميت بالمفدى ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل بالتاء .

{ ولا هم ينصرون } يمنعون من عذاب الله ، والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفس من النفوس الكثيرة ، وتذكيره بمعنى العباد . أو الأناسي والنصر أخص من المعونة لاختصاصه بدفع الضر . وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة ، ويؤيده أن الخطاب معهم ، والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 48 )

وقوله عز وجل : { واتقوا يوماً } نصب يوماً ب { اتقوا } على السعة ، والتقدير عذاب يوم ، أو هول يوم ، ثم حذف ذلك وأقام اليوم مقامه ، ويصح أن يكون نصبه على الظرف لا للتقوى ، لأن يوم القيامة ليس بيوم عمل ، ولكن معناه : جيئوا متقين يوماً . و { لا تجزي } معناه : لا تغني .

وقال السدي : معناه لا تقضي ، ويقويه قوله { شيئاً }( {[572]} ) وقيل المعنى : لا تكافىء ، ويقال : جزى وأجزأ بمعنى واحد( {[573]} ) ، وقد فرق بينهما قوم ، فقالوا : جزى بمعنى : قضى وكافأ ، وأجزأ بمعنى أغنى وكفى .

وقرأ أبو السمال «تُجزىءُ » بضم التاء والهمز ، وفي الكلام حذف( {[574]} ) .

وقال البصريون : التقدير لا تجزي فيه ، ثم حذف فيه .

وقال غيرهم : حذف ضمير متصل ب { تجزي } تقديره لا تجزيه ، على أنه يقبح حذف هذا الضمير في الخبر ، وإنما يحسن في الصلة .

وقال بعض البصريين : التقدير لا تجزي فيه ، فحذف حرف الجر واتصل الضمير ، ثم حذف الضمير بتدريج .

وقوله تعالى : { ولا تقبل منها شفاعة } قرأ ابن كثير وأبو عمرو : بالتاء ، وقرأ الباقون : بالياء من تحت على المعنى إذ تأنيت الشفاعة ليس بحقيقي ، والشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان لأن الشافع والمشفوع له شفع ، وكذلك الشفيع فيما لم يقسم .

وسبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا : نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا ، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعة ، و { لا تجزي نفس عن نفس } ، وهذا إنما هو في الكافرين ، للإجماع وتواتر الحديث بالشفاعة في المؤمنين( {[575]} ) .

وقوله تعالى : { ولا يؤخذ منها عدل } ، قال أبو العالية : «العدل الفدية » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وعدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدراً وإن لم يكن من جنسه ، «والعِدل » بكسر العين هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه .

وحكى الطبري أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية ، فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير ، والضمير في قوله { ولا هم } عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآية ، ويحتمل أن يعود على النفسين المتقدم ذكرهما ، لأن اثنين جمع( {[576]} ) ، أو لأن النفس للجنس وهو جمع ، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا ، فإن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى .


[572]:- أي شيئا من الحقوق.
[573]:- قال الفيومي في المصباح: جزى الأمر يجزي جزاء مثل قضى يقضي قضاء وزنا ومعنى. وفي الدعاء جزاه الله خيرا: أي قضاه له وأثابه، وقد يستعمل أجزا بالألف والهمز بمعنى جزى ونقلهما الأخفش بمعنى واحد فقال: الثلاثي من غير همز لغة الحجاز والرباعي المهموز لغة تميم، وجازيته بذنبه عاقبته عليه، وجزيت الدين قضيته، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة بن نيار لما أمره أن يضحي بجدعة من المعز: "تجزي عليك ولن تجزي عن أحد بعدك" قال الأصمعي: أي ولن تقضي، وأجزأت الشاة بالهمز بمعنى قضت لغة حكاها ابن القطاع، وأما أجزأ بالألف والهمز فبمعنى أغنى، قال الأزهري: والفقهاء يقولون أجزى من غير همز ولم أجده لأحد من أئمة اللغة ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفي هذا لفظه، وفيه نظر، لأنه إن أراد امتناع التسهيل فقد توقف في غير موضع التوقف، فإن تسهيل همزة الطرف وتسهيل الهمزة الساكنة قياس، فيقال أرجأت الأمر وأرجيته، وأنسأت وأنسيت وأخطأت وأخطيت فالفقهاء جرى على ألسنتهم التخفيف، وإن أراد الامتناع من وقوع أجزأ موقع جزى فقد نقلها الأخفش لغتين، كيف وقد نص النحاة على أن الفعلين إذا تقارب معناهما جاز وضع أحدهما موضع الآخر، وفي هذا مقنع لو لم يوجد نقل، وأجزأ الشيء مجزأ غيره كفى وأغنى عنه، واجتزأت بالشيء اكتفيت انتهى باختصار. وقال الشيخ حلولو في شرح جمع الجوامع جزى الثلاثي- إن كان بلا همز فمعناه القضاء نحو (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) أي لا تقضي، وإن كان آخره مهموزا فمعناه الكفاية والله أعلم.
[574]:- المراد أن الجملة "لا تجزي" صفة لما قبلها، والرابط بين الصفة والموصوف محذوف، واختلفوا في هذا المحذوف، وكيفما كان تقديره فالحذف في هذا المقام جائز ومقبول.
[575]:- أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: [واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة] النفس الكافرة لا كل نفس.
[576]:- لحديث: (اثنان فما فوق جماعة) وفي "الكوكب الساطع": وفي أقل الجمع مذهبان: أصحهما ثلاثة لا اثنان.