تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

الآية 48 وقوله عز وجل ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) الآية ، والله أعلم ، كأنها مؤخرة في المعنى ، وإن كانت في الذكر مقدمة لأنه قال : ( وأني فضلتكم على العالمين ) ثم ذكر الأفضال والمنن فقال : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) [ البقرة : 49 ] الآية{[746]} ، وقوله : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم ) وقوله : ( وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) [ البقرة : 50 ] ذكرهم عز وجل نعمه ومننه عليهم ليشكروا له وليعرفوا أنها منة وأنها فضل منه ، ثم حذرهم عز وجل فقال : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس ) الآية{[747]} ليكونوا على حذر لئلا يصيبهم ما أصاب الأمم السالفة من الهلاك وأنواع العذاب بعد الأمن والتوسيع عليهم كقوله : ( فلولا إذ جاءهم بأسنا ) إلى قوله ( فلما نسوا ما ذكروا به ) [ الأنعام : 43 و 44 ] الآية .

ثم في الآية دليل لقول أبي حنيفة وأصحابه : إن الولد يصير مشتوما مقذوفا بشتم والديه لما عيرهم عز وجل بصنيع آبائهم بقوله ( ثم أتخذتم العجل من بعده ) [ البقرة : 51 ] ؛ وهم لم يتخذوا العجل ، وإنما اتخذ{[748]} ذلك آباؤهم .

وكذلك ذكر عز وجل صنعه ومننه عليهم من نحو النجاة من الغرق وإخراجهم من أيدي العدو وفرق البحر بهم وإهلاك العدو ؛ وإنما كان ذلك لآبائهم [ دونهم ]{[749]} ، لكن ذكرهم عز وجل عظيم مننه على آبائهم ليشكروا له على ذلك . وكذلك عيرهم بصنيع أبائهم من اتخاذ العجل وإظهار الظلم ليكونوا على حذر من ذلك . والله أعلم .

وفي قوله : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي بما كان إنعامي عليهم باتباع الرسول موسى عليه السلام وطاعتهم له ، فاتبعوا اسم الرسول محمدا{[750]} وأطيعوا له / 10-ب/ ولا تتركوا اتباعه .

وقوله : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) قيل : أي لا تؤدي نفس عن نفس شيئا كقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه ) ( وأمه وأبيه ) [ عبس : 34و 35 و . . . ] الآيات{[751]} .

وقوله : ( ولا يقبل منها شفاعة ) قيل فيه بوجهين : قيل : لا يكون لهم شفعاء يشفعون كقوله : ( فما لنا من شافعين ) [ الشعراء : 100 ] وكقوله ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) [ السجدة : 4 ] وقيل : لو كان لهم شفعاء لا تقبل شفاعتهم كقوله : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] أي لا يؤذن لهم بالشفاعة كقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [ الأنبياء : 28 ] .

وقوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ) والعدل هو الفداء ؛ إما من المال وإما من النفس . وذلك أيضا يحتمل وجهين : [ يحتمل أن ]{[752]} لا يكون لهم الفداء على ما ذكرنا في الشفيع ، ويحتمل أن لو كان ، لا يقبل منهم كقوله{[753]} ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ) [ المائدة : 36 ] .

ثم الوجوه التي تخلص المرء في الدنيا إذا أصابته نكبة ثلاث : إما بفداء يفدي عنه مالا أو نفسا ، وإما بشفعاء يشفعون له ، وإما بأنصار ينصرون له ، فيتخلص من ذلك . فقطع{[754]} عز وجل عنهم جميع وجوه التخلص في الآخرة .

والآية نزلت ، والله أعلم ، في اليهود والنصارى ، وهم كانوا يؤمنون بالبعث والجنة والنار كقوله : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] وقوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] ولذلك ذكر اسم الفداء والشفيع [ وما ذكروا ، أما ]{[755]} من لم يؤمن بالآخرة فلا معنى لذكر ذلك .


[746]:- ساقطة من ط ع.
[747]:- ساقطة من ط ع.
[748]:- من ط م، في الأصل و ط ع: اتخذوا.
[749]:- من ط م.
[750]:- من ط م، في الأصل و ط ع: محمد.
[751]:- في الأصل و ط م: الآية، وأدرج الناسخ في ط ع بدلا عنها الآيتين (36 و 37].
[752]:- من ط م و ط ع، في الأصل: أي.
[753]:- من ط م و ط ع، في الأصل: قوله.
[754]:- من ط م، في الأصل و ط ع: يقطع.
[755]:- في النسخ الثلاث: وما ذكر. وأما.