الآية 48 وقوله عز وجل ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) الآية ، والله أعلم ، كأنها مؤخرة في المعنى ، وإن كانت في الذكر مقدمة لأنه قال : ( وأني فضلتكم على العالمين ) ثم ذكر الأفضال والمنن فقال : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) [ البقرة : 49 ] الآية{[746]} ، وقوله : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم ) وقوله : ( وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) [ البقرة : 50 ] ذكرهم عز وجل نعمه ومننه عليهم ليشكروا له وليعرفوا أنها منة وأنها فضل منه ، ثم حذرهم عز وجل فقال : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس ) الآية{[747]} ليكونوا على حذر لئلا يصيبهم ما أصاب الأمم السالفة من الهلاك وأنواع العذاب بعد الأمن والتوسيع عليهم كقوله : ( فلولا إذ جاءهم بأسنا ) إلى قوله ( فلما نسوا ما ذكروا به ) [ الأنعام : 43 و 44 ] الآية .
ثم في الآية دليل لقول أبي حنيفة وأصحابه : إن الولد يصير مشتوما مقذوفا بشتم والديه لما عيرهم عز وجل بصنيع آبائهم بقوله ( ثم أتخذتم العجل من بعده ) [ البقرة : 51 ] ؛ وهم لم يتخذوا العجل ، وإنما اتخذ{[748]} ذلك آباؤهم .
وكذلك ذكر عز وجل صنعه ومننه عليهم من نحو النجاة من الغرق وإخراجهم من أيدي العدو وفرق البحر بهم وإهلاك العدو ؛ وإنما كان ذلك لآبائهم [ دونهم ]{[749]} ، لكن ذكرهم عز وجل عظيم مننه على آبائهم ليشكروا له على ذلك . وكذلك عيرهم بصنيع أبائهم من اتخاذ العجل وإظهار الظلم ليكونوا على حذر من ذلك . والله أعلم .
وفي قوله : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي بما كان إنعامي عليهم باتباع الرسول موسى عليه السلام وطاعتهم له ، فاتبعوا اسم الرسول محمدا{[750]} وأطيعوا له / 10-ب/ ولا تتركوا اتباعه .
وقوله : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) قيل : أي لا تؤدي نفس عن نفس شيئا كقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه ) ( وأمه وأبيه ) [ عبس : 34و 35 و . . . ] الآيات{[751]} .
وقوله : ( ولا يقبل منها شفاعة ) قيل فيه بوجهين : قيل : لا يكون لهم شفعاء يشفعون كقوله : ( فما لنا من شافعين ) [ الشعراء : 100 ] وكقوله ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) [ السجدة : 4 ] وقيل : لو كان لهم شفعاء لا تقبل شفاعتهم كقوله : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] أي لا يؤذن لهم بالشفاعة كقوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [ الأنبياء : 28 ] .
وقوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ) والعدل هو الفداء ؛ إما من المال وإما من النفس . وذلك أيضا يحتمل وجهين : [ يحتمل أن ]{[752]} لا يكون لهم الفداء على ما ذكرنا في الشفيع ، ويحتمل أن لو كان ، لا يقبل منهم كقوله{[753]} ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ) [ المائدة : 36 ] .
ثم الوجوه التي تخلص المرء في الدنيا إذا أصابته نكبة ثلاث : إما بفداء يفدي عنه مالا أو نفسا ، وإما بشفعاء يشفعون له ، وإما بأنصار ينصرون له ، فيتخلص من ذلك . فقطع{[754]} عز وجل عنهم جميع وجوه التخلص في الآخرة .
والآية نزلت ، والله أعلم ، في اليهود والنصارى ، وهم كانوا يؤمنون بالبعث والجنة والنار كقوله : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] وقوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ البقرة : 80 ] ولذلك ذكر اسم الفداء والشفيع [ وما ذكروا ، أما ]{[755]} من لم يؤمن بالآخرة فلا معنى لذكر ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.