فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (48)

وقوله : { واتقوا يَوْمًا } أمر معناه الوعيد ، وقد تقدم معنى التقوى . والمراد باليوم : يوم القيامة أي : عذابه . وقوله : { لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } في محل نصب صفة ليوم ، والعائد محذوف . قال البصريون في هذا وأمثاله : تقديره فيه .

وقال الكسائي : هذا خطأ ، بل التقدير لا تجزيه ؛ لأن حذف الظرف لا يجوز ، ويجوز حذف الضمير وحده . وقد روى عن سيبويه ، والأخفش ، والزجاج جواز الأمرين . ومعنى : { لا تجزي } : لا تكفي ، وتقضي ، يقال جزا عني هذا الأمر يجزي ، أي : قضى ، واجتزأت بالشيء أجتزي ، أي : اكتفيت ، ومنه قول الشاعر :

فإن الغدرَ في الأقوام عَارٌ *** وإن الحر يَجزي بالكُراع

والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ، ولا تكفي عنها ، ومعنى التنكير : التحقير ، أي : شيئاً يسيراً حقيراً ، وهو منصوب على المفعولية ، أو على أنه صفة مصدر محذوف ، أي : جزاء حقيراً . والشفاعة مأخوذة من الشفع ، وهو الاثنان ، تقول استشفعته : أي : سألته أن يشفع لي ، أي : يضمّ جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ، ليصل النفع إلى المشفوع له ، وسميت الشفعة شفعة ؛ لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك . وقد قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، تقبل بالمثناة الفوقية ؛ لأن الشفاعة مؤنثة ، وقرأ الباقون بالياء التحتية ؛ لأنها بمعنى الشفيع . قال الأخفش : الأحسن التذكير . وضمير { منها } يرجع إلى النفس المذكورة ثانياً : أي : إن جاءت بشفاعة شفيع ، ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أوّلاً : أي : إذا شفعت لم يقبل منها . والعدل بفتح العين : الفداء ، وبكسرها : المثل . يقال عدل ، وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر . وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية . والنصر : العون ، والأنصار : الأعوان ، وانتصر الرجل : انتقم ، والضمير ، أي : هم ، يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي ، والنفس تذكر وتؤنث .

/خ50