في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

44

( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ، وآتيناهم ملكا عظيما )

أم لعله حسد . . حسد رسول الله [ ص ] والمسلمين على ما آتاهم الله من فضله . . من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلادا جديدا ، وجعل لهم وجودا إنسانيا متميزا ؛ ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين ؛ كما وهبهم النظافة والطهر ، مع العز والتمكين ؟

وإنه فعلا للحسد من يهود . مع تفويت أطماعها في السيادة الأدبية والاقتصادية على العرب الجاهلين المتفرقين المتخاصمين . . يوم أن لم يكن لهم دين . .

ولكن لماذا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والتمكين في الأرض ؟ وهم غارقون في فضل الله من عهد إبراهيم . . الذي آتاه الله وآله الكتاب والحكمة - وهي النبوة - وآتاهم الملك كذلك والسيادة . وهم لم يرعوا الفضل ولم يحتفظوا بالنعمة ، ولم يصونوا العهد القديم ، بل كان منهم فريق من غير المؤمنين . ومن يؤت هذا الفضل كله لا يليق أن يكون منهم جاحدون كافرون !

( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن به ، ومنهم من صد عنه ) .

إنه لمن ألأم الحسد : أن يحسد ذو النعمة الموهوب ! لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة ! أما أن يحسد الواجد المغمور بالنعمة ، فهذا هو الشر الأصيل العميق ! شر يهود ! المتميز الفريد !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

ثم قال : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } يعني بذلك : حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له ؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل .

قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن السدي ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه ]{[7756]} } الآية ، قال ابن عباس : نحن الناس دون الناس ، قال الله تعالى : { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } أي : فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل - الذين هم من ذرية إبراهيم - النبوة ، وأنزلنا عليهم الكتب ، وحكموا فيهم بالسنن{[7757]} - وهي الحكمة - وجعلنا فيهم الملوك ،


[7756]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7757]:في ر: "بالسنين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

{ أم يحسدون الناس } بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أو العرب ، أو الناس جميعا لأن من حسد على النبوة فكأنما حسد الناس كلهم كمالهم . ورشدهم وبخعهم وأنكر عليهم الحسد كما ذمهم على البخل وهما شر الرذائل وكأن بينهما تلازما وتجاذبا . { على ما آتاهم الله من فضله } يعني النبوة والكتاب والنصرة والإعزاز وجعل النبي الموعود منهم . { فقد آتينا آل إبراهيم } الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء عمه . { الكتاب والحكمة } النبوة . { وآتيناهم ملكا عظيما } فلا يبعد أن يؤتيه الله مثل ما آتاهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

وقوله تعالى : { أم يحسدون الناس } الآية ، { أم } هذه على بابها ، لأن الاستفهام الذي في تقديرنا ، < بل لهم> قد تقدمها . واختلف المتأولون في المراد ب { الناس } في هذا الموضع ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك ، هو النبي عليه السلام ، والفضل النبوة فقط ، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك ؟ وقال ابن عباس والسدي أيضاً : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والفضل ما أبيح له من النساء فقط ، وسبب الآية عندهم ، أن اليهود قالت لكفار العرب : انظروا إلى هذا الذي يقول : إنه بعث بالتواضع ، وإنه لا يملأ بطنه طعاماً ، ليس همه إلا في النساء ، ونحو هذا ، فنزلت الآية ، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم ؟ صلى الله عليه وسلم يعني سليمان وداود عليهما السلام في أنهما أعطيا النبوة والكتاب ، وأعطيا مع ذلك ملكاً عظيماً ، في أمر النساء ، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، ولداود مائة امرأة ، ونحو هذا من الأخبارالواردة في ذلك ، فالملك في هذا القول إباحة النساء ، كأنه المقصود أولاً بالذكر ، وقال قتادة : { الناس } في هذا الموضع : العرب ، حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي عليه السلام منها ، «والفضل » على هذا التأويل : هو محمد عليه السلام ، فالمعنى : لم يحسدون العرب على هذا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوتي آل إبراهيم صلى الله عليه وسلم - وهم أسلافهم - أنبياء وكتباً ، كالتوراة والزبور ، { وحكمة } وهي الفهم في الدين وما يكون من الهدى مما لم ينص عليه الكتاب ، وروي عن ابن عباس أنه قال : «نحن الناس » يريد قريشاً ، { وملكاً عظيماً } : أي ملك سليمان ، قاله ابن عباس : وقال مجاهد : الملك العظيم في الآية هو النبوة ، وقال همام بن الحارث وأبو مسلمة : هو التأييد بالملائكة .

قال القاضي أبو محمد : والأصوب أنه ملك سليمان أو أمر النساء في التأويل المتقدم .