في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

لنشهد ختام المشهد العجيب :

( قال الله : هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . . إنه التعقيب المناسب على كذب الكاذبين ؛ الذين أطلقوا تلك الفرية الضخمة على ذلك النبي الكريم . في أعظم القضايا كافة . . قضية الألوهية والعبودية ، التي يقوم على أساس الحق فيها هذا الوجود كله وما فيه ومن فيه . .

. . هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم . . إنها كلمة رب العالمين ، في ختام الاستجواب الهائل على مشهد من العالمين . . وهي الكلمة الأخيرة في المشهد . وهي الكلمة الحاسمة في القضية . ومعها ذلك الجزاء الذي يليق بالصدق والصادقين :

( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) . . ( خالدين فيها أبدًا ) . . ( رضي الله عنهم ) . . ( ورضوا عنه ) . .

درجات بعد درجات . . الجنات والخلود ورضا الله ورضاهم بما لقوا من ربهم من التكريم : ( ذلك الفوز العظيم ) . .

ولقد شهدنا المشهد - من خلال العرض القرآني له بطريقة القرآن الفريدة - وسمعنا الكلمة الأخيرة . . شهدنا وسمعنا لأن طريقة التصوير القرآنية لم تدعه وعدا يوعد ، ولا مستقبلا ينتظر ؛ ولم تدعه عبارات تسمعها الآذان أو تقرؤها العيون . إنما حركت به المشاعر ، وجسمته واقعا اللحظة تسمعه الآذان وتراه العيون . .

على أنه إن كان بالقياس إلينا - نحن البشر المحجوبين - مستقبلا ننتظره يوم الدين ، فهو بالقياس إلى علم الله المطلق ، واقع حاضر . فالزمن وحجابه إنما هما من تصوراتنا نحن البشر الفانين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

يقول تعالى مجيبًا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم{[10543]} فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين ، الكاذبين على الله وعلى رسوله ، ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه ، عز وجل ، فعند ذلك يقول تعالى : { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }

قال الضحاك ، عن ابن عباس يقول : يوم ينفع الموحدين توحيدهم .

{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : ماكثين فيها لا يَحُولون ولا يزولون ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، كما قال تعالى : { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] .

وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث .

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا فقال : حدثنا أبو سعيد الأشَجُّ ، حدثنا المحاربي ، عن لَيْث ، عن عثمان - يعني ابن عُمَيْر أبو اليقظان - عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم يتجلى لهم الرب

تعالى فيقول : سلوني سلوني أعطكم " . قال : " فيسألونه{[10544]} الرضا ، فيقول : رضاي أحلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، فسلوني أعطكم . فيسألونه الرضا " ، قال : " فيشهدهم أنه قد رضي عنهم " . {[10545]}

وقوله : { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي : هذا هو الفوز الكبير الذي لا أعظم منه ، كما قال تعالى : { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [ الصافات : 61 ] ، وكما قال : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } [ المطففين : 26 ] .


[10543]:في د: "لعيسى".
[10544]:في د: "فيسألون".
[10545]:ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/150): حدثنا عبد الرحمن المحاربي، فذكره من حديث طويل، وعثمان بن عمير أبو اليقظان الكوفي قال الذهبي: ضعفوه - أي الأئمة - فقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو أحمد الزبيدي: كان يؤمن بالرجعة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: "رديء المذهب، يؤمن بالرجعة، على أن الثقات قد رووا عنه مع ضعفه". ميزان الاعتدال (3/50).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ اللّهُ هََذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : " هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ " فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة : «هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » بنصب «يوم » . وقرأ بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة وعامّة قرّاء أهل العراق : هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ برفع يوم . فمن رفعه رفعه بهذا ، وجعل «يوم » اسما ، وإن كانت إضافته غير محضة ، لأنه صار كالمنعوت . وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل اليوم والليلة عملهم فيما بعدها ، إن كان ما بعدها رفعا رفعوها ، كقولهم : هذا يومُ يركب الأمير ، وليلةُ يصدر الحاج ، ويومُ أخوك منطلق وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها ، وكذلك كقولهم : هذا يومَ خرج الجيش وسار الناس ، وليلةَ قتل زيد ونحو ذلك ، وإن كان معناها في الحالين : «إذ » ، و«إذا » . وكأنّ من قرأ هذا هكذا رفعا وجه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة ، وكذلك كان السديّ يقول في ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " قالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ " هذا فصل من كلام عيسى ، وهذا يوم القيامة .

يعني السدي بقوله : «هذا فصل من كلام عيسى » أن قوله : " سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَق . . . إلى قوله : فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " من خبر الله عزّ وجلّ عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه ، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة . وأما النصب في ذلك ، فإنه يتوجه من وجهين : أحدهما : أن إضافة «يوم » ما لم تكن إلى اسم تجعله نصبا ، لأن الإضافة غير محضة ، وإنما تكون الإضافة محضة إذا أضيف إلى اسم صحيح . ونظير اليوم في ذلك الحين والزمان وما أشبههما من الأزمنة ، كما قال النابغة :

على حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصّبا ***وقَلْتُ أَلمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازِعُ

والوجه الآخر : أن يكون مرادا بالكلام هذا الأمر وهذا الشأن ، «يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » فيكون اليوم حينئذ منصوبا على الوقت والصفة ، بمعنى : هذا الأمر في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : «هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ » بنصب اليوم على أنه منصوب على الوقت والصفة ، لأن معنى الكلام : أن الله تعالى أجاب عيسى حين قال : " سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ . . . . إلى قوله : فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " فقال له عزّ وجلّ : هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فاليوم وقت القول والصدق النافع .

فإن قال قائل : فما موضع «هذا » ؟ قيل رفع فإن قال : فأين رافعه ؟ قيل مضمر ، وكأنه قال : قال الله عزّ وجلّ : هذا ، هذا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ، كما قال الشاعر :

أما تَرَى السّحابَ كَيْفَ يَجْرِي ***هَذَا وَلا خَيْلُكَ يا ابْنَ بِشْرِ

يريد : هذا هذا ، ولا خيلك .

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا لما بينا : قال الله لعيسى : هذا القول النافع في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ في الدنيا صِدْقُهُمْ ذلك في الآخرة عند الله . " لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ " يقول : للصادقين في الدنيا جناتٌ تجري من تحتها الأنهار في الآخرة ثوابا لهم من الله عزّ وجلّ ، على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه ، فوفوا به لله ، فوفى الله عزّ وجلّ لهم ما وعدهم من ثوابه . " خالِدِينَ فِيها أبَداً " يقول : باقين في الجنات التي أعطاهموها أبدا دائما لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول . وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود : الدوام والبقاء .

القول في تأويل قوله تعالى : " رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ " .

يقول تعالى ذكره : رضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من العمل بطاعته واجتناب معاصيه ، " ورَضُوا عَنْهُ " يقول : ورضوا هم عن الله تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه ، فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه . " ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ " يقول : هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ، مرضيّا عنهم ، وراضين عن ربهم ، هو الظفر العظيم بالطّلِبة وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا ، ولها كانوا يعملون فيها ، فنالوا ما طلبوا وأدركوا ما أملوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

والتعليق بأن { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } وقرأ نافع { يوم } بالنصب على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف ، أو ظرف مستقر وقع خبرا والمعنى هذا الذي مر من كلام عيسى واقع يوم ينفع . وقيل إنه خبر ولكن بني على الفتح بإضافته إلى الفعل وليس بصحيح ، لأن المضاف إليه معرب والمراد بالصدق الصدق في الدنيا فإن النافع ما كان حال التكليف . { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم } بيان للنفع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (119)

جواب عن قول عيسى ، فلذلك فصلت الجملة على طريقة الحوار . والإشارة إلى يوم القيامة وهو حاضر حين تجري هذه المقاولة .

وجملة : { ينفع الصادقين صدقهم } مضاف إليها { يوم } ، أي هذا يوم نفْع الصدق . وقد قرأ غير نافع من العشرة { يومُ } مضموماً ضمّة رفع لأنّه خبرُ { هذا } . وقرأه نافع مفتوحاً على أنّه مبني على الفتح لإضافته إلى الجملة الفعلية . وإضافة اسم الزمان إلى الجملة الفعلية تسوّغ بناءه على الفتح ، فإن كانت ماضوية فالبناء أكثر ، كقول النابغة :

على حينَ عَاتبتُ المشيبَ على الصّبا

وإن كانت مضارعية فالبناء والإعراب جائزان كما في هذه الآية ، وهو التحقيق . وإضافة الظرف إلى الجملة تقتضي أنّ مضمونها يحصل فيه ، فنفع الصدق أصحابه حاصل يومئذٍ . وعموم الصادقين يشمل الصدق الصادر في ذلك اليوم والصادر في الدنيا ، فنفع كليهما يظهر يومئذٍ ؛ فأمّا نفع الصادر في الدنيا فهو حصول ثوابه ، وأمّا نفع الصادر في الآخرة كصدق المسيح فيما قاله فهو برضى الله عن الصادق أو تجنّب غضبه على الذي يكذّبه فلا حيرة في معنى الآية .

والمراد بِ { الصادقين } الذين كان الصدق شعارهم لم يعدلوا عنه . ومن أوّل مراتب الصدق صدق الاعتقاد بأن لا يعتقدوا ما هو مخالف لما في نفس الأمر ممّا قامَ عليه الدليل العقلي أو الشرعي . قال الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين } ( 119 ) .

ومعنى نفع الصدق صاحبه في ذلك اليوم أنّ ذلك اليوم يوم الحقّ فالصادق ينتفع فيه بصدقه ، لأنّ الصدق حسن فلا يكون له في الحقّ إلاّ الأثر الحسن ، بخلاف الحال في عالم الدنيا عالم حصول الحقّ والباطل فإنّ الحقّ قد يجرّ ضرّاً لصاحبه بتحريف الناس للحقائق ، أو بمؤاخذته على ما أخبر به بحيث لو لم يخبر به لما اطّلع عليه أحد . وأمّا ما يترتّب عليه من الثواب في الآخرة فذلك من النفع الحاصل في يوم القيامة . وقد ابتلي كعب بن مالك رضي الله عنه في الصدق ثم رأى حُسن مغبَّته في الدنيا .

ومعنى نفع الصدق أنّه إن كان الخبر عن أمر حسن ارتكبه المخبر فالصدق حسن والمخبَر عنه حسن فيكون نفعاً محضاً وعليه جزاءان ، كما في قول عيسى : { سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ } [ المائدة : 116 ] إلى آخره ، وإن كان الخبر عن أمر قبيح فإنّ الصدق لا يزيد المخبر عنه قبحاً لأنّه قد حصل قبيحاً سواء أخبر عنه أم لم يخبر ، وكان لقبحه مستحقّاً أثراً قبيحاً مثله . وينفع الصدق صاحبه مرتكب ذلك القبيح فيناله جزاء الصدق فيخفّ عنه بعض العقاب بما ازداد من وسائل الإحسان إليه .

وجملة : { لهم جنات } مبيّنة لجملة : { ينفع } باعتبار أنّها أكمل أحوال نفع الصدق . وجملة { تجري من تحتها الأنهار } صفة ل { جنَّات } و { خالدين } حال . وكذلك جملة { رضي الله عنهم ورضوا عنه } .

ومعنى : { رضوا عنه } المسرة الكاملة بما جازاهم به من الجنّة ورضوانه . وأصل الرضا أنّه ضدّ الغضب ، فهو المحبّة وأثرها من الإكرام والإحسان . فرضي الله مستعمل في إكرامه وإحسانه مثل محبّته في قوله : { يحبّهم } . ورضي الخلق عن الله هو محبّته وحصول ما أمَّلوه منه بحيث لا يبقى في نفوسهم متطلّع .

واسم الإشارة في قوله { ذلك } لتعظيم المشار إليه ، وهو الجنّات والرضوان .