في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

28

ودعهم وانصرف عنهم إلى ( عبادي الذين آمنوا ) . انصرف عنهم إلى موعظة الذين تجدي فيهم الموعظة . الذين يتقبلون نعمة الله ولا يردونها ، ولا يستبدلون بها الكفر . انصرف إليهم تعلمهم كيف يشكرون النعمة بالعبادة والطاعة والبر بعباد الله :

( قل لعبادي الذين آمنوا : يقيموا الصلاة ، وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ، من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) . .

قل لعبادي الذين آمنوا : يشكروا ربهم بإقامة الصلاة . فالصلاة أخص مظاهر الشكر لله . وينفقوا مما أنعمنا عليهم به من الرزق سرا وعلانية . سرا حيث تصان كرامة الآخذين ومروءة المعطين ، فلا يكون الإنفاق تفاخرا وتظاهرا ومباهاة . وعلانية حيث تعلن الطاعة بالإنفاق وتؤدى الفريضة ، وتكون القدوة الطيبة في المجتمع . وهذا وذلك متروك لحساسية الضمير المؤمن وتقديره للأحوال .

قل لهم : ينفقوا ليربو رصيدهم المدخر من قبل أن يأتي يوم لا تنمو فيه الأموال بتجارة ، ولا تنفع كذلك فيه صداقة ؛ إنما ينفع المدخر من الأعمال :

( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

يقول تعالى آمرًا العباد{[15947]} بطاعته والقيام بحقه ، والإحسان إلى خلقه ، بأن يقيموا الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن ينفقوا مما رزقهم الله بأداء الزكوات ، والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب .

والمراد بإقامتها هو : المحافظة على وقتها وحدودها ، وركوعها وخشوعها وسجودها .

وأمر تعالى بالإنفاق مما رزق في السر ، أي : في الخفية ، والعلانية وهي : الجهر ، وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ } وهو يوم القيامة ، وهو يوم { لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ } أي : لا يقبل من أحد فدية بأن تباع{[15948]} نفسه ، كما قال تعالى : { فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [ الحديد : 15 ] .

وقوله : { وَلا خِلالٌ } قال ابن جرير : يقول : ليس هناك مُخَالَّة{[15949]} خليل ، فيصفح{[15950]} عمن استوجب العقوبة ، عن العقاب لمُخَالَّته ، بل هنالك العدل والقسط ، فالخلال مصدر ، من قول القائل : " خاللت فلانا ، فأنا أخاله مخالة وخلال " ، ومنه قول امرئ القيس :

صَرَفتُ الهَوَى عَنْهُنَّ من خَشْيَة الرَّدَى *** وَلَسْتُ بمقْلى الخلال ولا قَال{[15951]}

وقال قتادة : إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا ، فينظر رجل من يخالل وعلام صاحب ، فإن كان لله فليداوم ، وإن كان لغير الله فسيقطع عنه .

قلت : والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه لا ينفع أحدا بيع ولا فدية ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا لو وجده ، ولا ينفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافرا ، قال الله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } [ البقرة : 123 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [ البقرة : 254 ] .


[15947]:- في ت ، أ : "لعباده".
[15948]:- في ت : "يباع".
[15949]:- في ت : "مخالطة".
[15950]:- في ت : "فصفح".
[15951]:- البيت في تفسير الطبري (13/149).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لّعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لِعبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا بك وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي يُقيمُوا الصّلاةَ يقول : قل لهم : فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها ، ولينفقوا مما رزقناهم فخوّلناهم من فضلنا سرّا وعلانية ، فليؤدّوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سرّا وإعلانا . مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ يقول : لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من معصية ربها في الدنيا ، فيقبل منها الفدية ، وتترك فلا تعاقب . فسمى الله جلّ ثناؤه الفدية عوضا ، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه . وقوله : وَلا خِلالٌ يقول : وليس هناك مُخالّة خليل ، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته ، بل هنالك العدل والقسط ، فالخلال مصدر من قول القائل : خاللت فلانا فأنا أخالّه مُخَالّة وخِلالاً ومنه قول امرىء القيس :

صرفْتُ الهَوَى عَنْهُنّ مِنْ خَشْيَةِ الرّدَى *** وَلَسْتُ بِمَقْلِيّ الخِلالِ ولا قالي وجزم قوله : يُقِيمُوا الصّلاةَ بتأويل الجزاء ومعناه الأمر ، يراد : قل لهم ليقيموا الصلاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قُلْ لِعِبادِيَ الّذِينَ أمَنُوا يُقِيمُوا الصّلاةَ يعني الصلوات الخمس . وَيُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً : يقول : زكاة أموالهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله : مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ قال قتادة : إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالاً يتخالّون بها في الدنيا ، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب ، فإن كان لله فليداوم ، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

{ قل لعبادي الذين آمنوا } خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ، ومفعول { قل } محذوف يدل عليه جوابه : أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا . { يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم } فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره ، وأنه كالسبب الموجب له ، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله :

محمد تفد نفسك كل نفسٍ *** إذا ما خفت من أمرٍ تبالاَ

لدلالة قل عليه . وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما ، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا . { سرّاً وعلانية } منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية ، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية ، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه } فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه . { ولا خلال } ولا مخالة فيشفع لك خليل ، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام .