في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

( فالتقطه آل فرعون ) . .

أهذا هو الأمن ? أهذا هو الوعد ? أهذه هي البشارة ?

وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون ? وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون ? وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون ?

نعم ! ولكنها القدرة تتحدى تتحدى بطريقة سافرة مكشوفة . تتحدى فرعون وهامان وجنودهما . إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفا على ملكهم وعرشهم وذواتهم . ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر . . فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر . وأي طفل ? إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين ! ها هي ذي تلقيه في أيديهم مجردا من كل قوة ومن كل حيلة ، عاجزا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد ! ها هي ذي تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفاح المتجبر ، ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل ، وفي أحضان نسائهم الوالدات !

ثم ها هي ذي تعلن عن مقصدها سافرة متحدية :

( ليكون لهم عدوا وحزنا ) .

ليكون لهم عدوا يتحداهم وحزنا يدخل الهم على قلوبهم :

( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) . .

ولكن كيف ? كيف وها هو ذا بين أيديهم ، مجردا من كل قوة ، مجردا من كل حيلة ? لندع السياق يجيب :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

قال محمد بن إسحاق وغيره : " اللام " هنا لام العاقبة لا لام التعليل ؛ لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك . ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى{[22225]} اللام للتعليل ؛ لأن معناه أن الله تعالى ، قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوًا وحزنًا فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } .

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتابًا إلى قوم من القدرية ، في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق : وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن ، قال الله تعالى : { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } ، وقلتم أنتم : لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليًا ونصيرًا ، والله يقول : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } .


[22225]:- في ت : "يعني".