في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

بعد ذلك يذكر ما يفيد أن اليهود قد انتهى دورهم في حمل أمانة الله ؛ فلم تعد لهم قلوب تحمل هذه الأمانة التي لا تحملها إلا القلوب الحية الفاقهة المدركة الواعية المتجردة العاملة بما تحمل :

( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا . بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ! والله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

فبنوا إسرائيل حملوا التوراة ، وكلفوا أمانة العقيدة والشريعة . . ( ثم لم يحملوها ) . . فحملها يبدأ بالإدراك والفهم والفقه ، وينتهي بالعمل لتحقيق مدلولها في عالم الضمير وعالم الواقع . ولكن سيرة بني إسرائيل كما عرضها القرآن الكريم - وكما هي في حقيقتها - لا تدل على أنهم قدروا هذه الأمانة ، ولا أنهم فقهوا حقيقتها ، ولا أنهم عملوا بها . ومن ثم كانوا كالحمار يحمل الكتب الضخام ، وليس له منها إلا ثقلها . فهو ليس صاحبها . وليس شريكا في الغاية منها !

وهي صورة زرية بائسة ، ومثل سيئ شائن ، ولكنها صورة معبرة عن حقيقة صادقة ( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

ومثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها . . كل الذين حملوا أمانة العقيدة ثم لم يحملوها . والمسلمون الذين غبرت بهم أجيال كثيرة ، والذين يعيشون في هذا الزمان ، وهم يحملون أسماء المسلمين ولا يعملون عمل المسلمين . وبخاصة أولئك الذين يقرأون القرآن والكتب ، وهم لا ينهضون بما فيها . . أولئك كلهم ، كالحمار يحمل أسفارا . وهم كثيرون كثيرون ! فليست المسألة مسألة كتب تحمل وتدرس . إنما هي مسألة فقه وعمل بما في الكتب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

يقول تعالى ذامًّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، فلم يعملوا بها ، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، أي : كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملا حسيا{[28815]} ولا يدري ما عليه . وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ، حفظوه لفظا ولم يفهموه{[28816]} ولا عملوا بمقتضاه ، بل أولوه وحرفوه وبدلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ؛ لأن الحمار لا فهمَ له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] وقال هاهنا : { بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نُمَير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له " أنصت " ، ليس له جمعة " {[28817]}


[28815]:- (4) في أ: "حسنًا".
[28816]:- (5) في م: "ولم يتفهموه".
[28817]:- (6) المسند (1/230) وقال الهيثمي في المجمع (2/184): "فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائي في رواية".