في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

وقبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته ، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية . ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين ، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف ، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير :

( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

{ أهم } في القوة{ خير أم قوم تبع } هو تبع الحميري أبو كرب أسعد بن مليك ، أحد ملوك التتابعة . وكان مؤمنا ، وإليه تنسب الأنصار ، وكان قومه كفارا فأهلكهم الله . ولم تغن عنهم قوتهم من الله شيئا . وتبع : لقب لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت ؛ مثل كسرى للفرس ، وقيصر للروم ، وفرعون لمصر

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع}؛ لأن قوم تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة.

{والذين من قبلهم} من الأمم الخالية.

{أهلكناهم} بالعذاب.

{إنهم كانوا مجرمين} يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير أم قوم تُبّع، يعني تُبّعا الحِمْيريّ.

"وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ": أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها: فليس هؤلاء بخير من أولئك فنصفح عنهم ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.

"إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ": إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم؛ إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليس في هذا جواب لقولهم: {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} ولم يأت بجواب ذلك؛ وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال، لأنهم سألوا ذلك تعنُّتا وعنادا، ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة.

وفي الآية دلالة على البعث أيضا في وجهين: {أهم خير أم قوم تُبّع} ومن ذكر، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أولئك، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم؟ وهو كقوله: {أكُفّاركم خير من أولئكم} [القمر: 43]، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا، والله أعلم.

وأما الثاني، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أهم خير أم قوم تبع} استفهام على سبيل الإنكار..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً؛ لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين؛ لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم: {أهم خير} أي في الدين والدنيا.

{أم قوم تبع} أي الذين ملك بهم تبع... وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع هو أول من كسا البيت...

ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: {والذين من قبلهم} أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.

ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يعسرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً.

{مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية، ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ناشئ عن قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون} [الدخان: 17] فضمير {هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34، 35] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه؛ لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين.

والمعنى: أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم.

والاستفهام في {أهم خير أم قوم تبع} تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة.

وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ.

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة...

وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه.

وجملة {أهلكناهم} مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به.

وجملة {إنهم كانوا مجرمين} تعليل لمضمون جملة {أهلكناهم}، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم، أي شركهم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

قوله تعالى : " أهم خير أم قوم تبع " هذا استفهام إنكار ، أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب ؛ إذ ليسوا خيرا من قوم تبع والأمم المهلكة ، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء . وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالا أم قوم تبع . وقيل : أهم أعز وأشد وأمنع أم قوم تبع . وليس المراد بتبع رجلا واحدا ، بل المراد به ملوك اليمن ، فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة . فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين ، وكسرى للفرس ، وقيصر للروم . وقال أبو عبيدة : سمي كل واحد منهم تباعا لأنه يتبع صاحب . قال الجوهري : والتبابعة ملوك اليمن ، واحدهم تبع . والتبع أيضا الظل ، وقال :

يرد المياه حَضِيرَةً ونَفِيضَةً *** وِرْدَ القَطَاةِ إذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ{[13743]}

والتبع أيضا ضرب من الطير . وقال السهيلي : تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت . وإن ملك اليمن وحدها لم يقل له تبع . قاله المسعودي . فمن التبابعة : الحارث الرائش وهو ابن همال ذي سدد{[13744]} . وأبرهة ذو المنار . وعمرو ذو الأذعار . وشمر بن مالك ، الذي تنسب إليه سمرقند . وأفريقيس بن قيس ، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان ، وبه سميت إفريقية . والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحدا من هؤلاء ، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره ؛ ولذلك قال عليه السلام : ( ولا أدري أتبع لعين أم لا ) . ثم قد روي عنه أنه قال : ( لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا ) فهذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه ، وهو - والله أعلم - أبو كرب الذي كسا البيت بعد ما أراد غزوه ، وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها ، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد . وقال شعرا أودعه عند أهلها ، فكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه . ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد . وفيه :

شهدت على أحمد أنه *** رسول من الله باري النَّسَمْ

فلو مد عمري إلى عمره *** لكنت وزيرا له وابنَ عَمْ

وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء - ويقال بناحية حمير - في الإسلام ، فوجد فيه امرأتان صحيحتان ، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب " هذا قبر حُبَّى ولميس " ويروى أيضا : " حُبَّى وتماضر " ويروى أيضا : " هذا قبر رضوى وقبر حُبَّى ابنتا تبع ، ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما " .

قلت : وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه : ( أما بعد ، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على دينك وسنتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء ، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام ، فإن أدركتك فبها ونعمت ، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة ، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام " . ثم ختم الكتاب ونقش عليه : " لله الأمر من قبل ومن بعد " [ الروم : 4 ] . وكتب على عنوانه ( إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله ، خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم . من تبع الأول . وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في " اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية " {[13745]} للفارابي رحمه الله . وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص .

واختلف هل كان نبيا أو ملكا ، فقال ابن عباس : كان تبع نبيا . وقال كعب : كان تبع ملكا من الملوك ، وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا ، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم ، وقالت عائشة رضي الله عنها : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا . وحكى قتادة أن تبعا كان رجلا من حمير ، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها ، حكاه الماوردي . وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري ، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة . وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد . وقال الكلبي : تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب ، وإنما سمي تبعا لأنه تبع من قبله . وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات{[13746]} . وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه ، وضرب بهم لقريش مثلا لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم ، فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك . وافتخر أهل اليمن بهذه الآية ، إذ جعل الله قوم تبع خيرا من قريش . وقيل : سمي أولهم تبعا لأنه أتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر .

قوله تعالى : " والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين " " الذين " في موضع رفع عطف على " قوم تبع " . " أهلكناهم " صلته . ويكون " من قبلهم " متعلقا به . ويجوز أن يكون " من قبلهم " صلة " الذين " ويكون في الظرف عائد إلى الموصول . وإذا كان كذلك كان " أهلكناهم " على أحد أمرين : إما أن يقدر معه " قد " فيكون في موضع الحال . أو يقدر حذف موصوف ؛ كأنه قال : قوم أهلكناهم . والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين . ويجوز أن يكون " والذين من قبلهم " ابتداء خبره " أهلكناهم " . ويجوز أن يكون " الذين " في موضع جر عطفا على " تبع " كأنه قال : قوم تبع المهلكين من قبلهم . ويجوز أن يكون " الذين " في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه " أهلكناهم " . والله أعلم .


[13743]:البيت لسعدي- وقيل لسلمى- الجهنية ترثي أخاها أسعد. والحضيرة والنفيضة: جماعة القوم. وقيل: النفر يغزى بهم. وقيل غير هذا. واسمأل الظل: قصر وضمر، وذلك عند نصف النهار.
[13744]:وردت هذه الأسماء محرّفة.
[13745]:اضطربت الأصول في هذا الكتاب وفي اسم مؤلفه، ولم نعثر عليه.
[13746]:الحبرات (بكسر ففتح جمع حِبرة وحَبرة): ضرب من برود اليمن منَمّر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ولما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً{[57587]} لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات ، غير خائفين من الله وهم يعلمون{[57588]} قدرته وإهلاكه للماضين لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك ، فقال تعالى منكراً عليهم : { أهم خير } أي في الدين والدنيا { أم قوم تبع } أي الذين ملك بهم تبع الأرض بطولها والعرض وحيرالحيرة وبنى قصر سمرقند وكان مؤمناً ، وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين{[57589]} إلى قريش زماناً ومكاناً . وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار ، وقال الرازي في اللوامع : هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام{[57590]} وطاف به وحلق .

وقال البغوي{[57591]} بعد أن ذكر قصته مع الأنصار لما قتل ابنه غيلة بالمدينة{[57592]} الشريفة وما وعظته به اليهود في الكف عن إحراب المدينة لأنها مهاجر نبي [ من-{[57593]} ] قريش : فصدقهم وتبع دينهم ، وذلك قبل نسخه ، وقال عن الرقاشي : آمن تبع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة{[57594]} عام ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً .

ولما كان ذلك{[57595]} في سياق التهديد بالإهلاك{[57596]} لأجل مخالفتهم ، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق ، أدخل الجار فقال : { والذين من قبلهم } أي [ من-{[57597]} ] مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد .

ولما كان كأنه قيل : ما لهؤلاء الأمم ؟ قيل : { أهلكناهم }{[57598]} أي بعظمتنا{[57599]} وإن كانوا عظماء لا يعسرهم{[57600]} هؤلاء فيما{[57601]} لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم ، وتكذيبهم بما أتوا به ، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم{[57602]} إنما هو على عادة الدهر : { إنهم كانوا } أي جبلة وطبعاً { مجرمين * } أي عريقين في الإجرام ، فليحذر هؤلاء إذا{[57603]} ارتكبوا مثل أفعالهم{[57604]} من مثل حالهم {[57605]}وأن يحل بهم ما حل بهم{[57606]} .


[57587]:من ظ و م، وفي الأصل: سعفا-كذا.
[57588]:من ظ و م، وفي الأصل: على.
[57589]:من ظ و م، وفي الأصل: المهلين.
[57590]:من م ومعالم التنزيل، وفي الأصل و ظ: آلاف.
[57591]:راجع المعالم بهامش اللباب6/123.
[57592]:في م: في المدينة.
[57593]:زيد من م.
[57594]:من ظ و م والمعالم، وفي الأصل: سبعمائة
[57595]:سقط من ظ و م.
[57596]:من م، وفي الأصل و ظ: والإهلاك.
[57597]:زيد من مد.
[57598]:من م. وفي الأصل و ظ: لعظمتنا.
[57599]:من م. وفي الأصل و ظ: لعظمتنا.
[57600]:من م، وفي الأصل و ظ: لا يعسرهم.
[57601]:من م، وفي الأصل و ظ: فما.
[57602]:من م، وفي الأصل و ظ: إهلاكهم.
[57603]:في م: إن.
[57604]:من ظ وم، وفي الأصل: فعالهم.
[57605]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[57606]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.