وبينما هم يسألون في شك ويجابون في جزم ، يخيل السياق القرآني كأن هذا اليوم الذي يسألون عنه قد جاء ، والموعد الذي يشكون فيه قد حان ؛ وكأنما هم واجهوه الآن . فكان فيه ما كان :
( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ، وقيل : هذا الذي كنتم به تدعون ) !
فقد رأوه قريبا مواجها لهم حاضرا أمامهم دون توقع ودون تمهيد . فسيئت وجوههم ، وبدا فيها الاستياء . ووجه إليهم التأنيب : ( وقيل : هذا الذي كنتم به تدعون ) . . هذا هو حاضرا قريبا . وهو الذي كنتم تدعون أنه لن يكون !
وهذه الطريقة في عرض ما سيكون تتكرر في القرآن ، لمواجهة حالة التكذيب أو الشك بمفاجأة شعورية تصويرية تقف المكذب أو الشاك وجها لوجه مع مشهد حاضر لما يكذب به أو يشك فيه .
ثم هي في الوقت ذاته تصور حقيقة . فهذا اليوم كائن في علم الله ؛ أما خط الزمن بينه وبين البشر فهو قائم بالقياس إلى البشر . وهي مسألة نسبية لا تمثل الحقيقة المجردة كما هي في حساب الله . ولو أذن الله لرأوه اللحظة كما هو في علم الله . فهذا الانتقال المفاجئ لهم من الدنيا إلى الآخرة ، ومن موقف الشك والارتياب إلى موقف المواجهة والمفاجأة ، يشير إلى حقيقة قائمة لو أذن الله بها لانكشفت لهم . في الوقت الذي يصور لهم هذه الحقيقة تصويرا يهز مشاعرهم .
{ فلما رأوه زلفة } فلما رأوا العذاب يوم القيامة قريبا منهم{ سيئت وجوه الذين كفروا } ساءت رؤيته وجوههم ، بأن غشيتها كآبة وذلة . و " زلفة " حال من مفعول " رأوه " وهو اسم مصدر لأزلف إزلافا . { تدعون } تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكارا واستهزاء ؛ من الدعاء بمعنى الطلب . ويؤيده قراءة " تدعون " بسكون الدال .
قوله تعالى : " فلما رأوه زلفة " مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا ، قاله مجاهد . الحسن : عيانا . وأكثر المفسرين على أن المعنى : فلما رأوه يعني العذاب ، وهو عذاب الآخرة . وقال مجاهد : يعني عذاب بدر . وقيل : أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم . ودل عليه " تحشرون " . وقال ابن عباس : لما رأوا عملهم السيئ قريبا . " سيئت وجوه الذين كفروا " أي فعل بها السوء . وقال الزجاج : تبين فيها السوء ، أي ساءهم ذلك العذاب ، وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ؛ كقوله تعالى : " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه{[15204]} " [ آل عمران : 106 ] . وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي " سئت " بإشمام الضم . وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة . ومن ضم لاحظ الأصل . " وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " قال الفراء : " تدعون " تفتعلون من الدعاء ، وهو قول أكثر العلماء ، أي تتمنون وتسألون . وقال ابن عباس : تكذبون ، وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ، قاله الزجاج . وقراءة العامة " تدعون " بالتشديد ، وتأويله ما ذكرناه . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب " تدعون " مخففة . قال قتادة : هو قولهم : " ربنا عجل لنا قطنا{[15205]} " [ ص : 16 ] . وقال الضحاك : هو قولهم : " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء{[15206]} " [ الأنفال : 32 ] الآية . وقال أبو العباس : " تدعون " تستعجلون ، يقال : دعوت بكذا إذا طلبته ؛ وادعيت افتعلت منه . النحاس : " تدعون وتدعون " بمعنى واحد ، كما يقال : قدر واقتدر ، وعدى واعتدى ، إلا أن في " افتعل " معنى شيء بعد شيء ، و " فعل " يقع على القليل والكثير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.