في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

10

وفي قصة آل داود تعرض صفحة الإيمان بالله والشكر على أفضاله وحسن التصرف في نعمائه . والصفحة المقابلة هي صفحة سبأ . وقد مضى في سورة النمل ما كان بين سليمان وبين ملكتهم من قصص . وهنا يجيء نبؤهم بعد قصة سليمان . مما يوحي بأن الأحداث التي تتضمنها وقعت بعد ما كان بينها وبين سليمان من خبر .

يرجح هذا الفرض أن القصة هنا تتحدث عن بطر سبأ بالنعمة وزوالها عنهم وتفرقهم بعد ذلك وتمزقهم كل ممزق . وهم كانوا على عهد الملكة التي جاء نبؤها في سورة النمل مع سليمان في ملك عظيم ، وفي خير عميم . ذلك إذ يقص الهدهد على سليمان : ( إني وجدت امرأة تملكهم ، وأوتيت من كل شيء ، ولها عرش عظيم . وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ) . . وقد أعقب ذلك إسلام الملكة مع سليمان لله رب العالمين . فالقصة هنا تقع أحداثها بعد إسلام الملكة لله ؛ وتحكي ما حل بهم بعد إعراضهم عن شكره على ما كانوا فيه من نعيم .

وتبدأ القصة بوصف ما كانوا فيه من رزق ورغد ونعيم ، وما طلب إليهم من شكر المنعم بقدر ما يطيقون :

( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال . كلوا من رزق ربكم واشكروا له . بلدة طيبة ورب غفور ) . .

وسبأ اسم لقوم كانوا يسكنون جنوبي اليمن ؛ وكانوا في أرض مخصبة ما تزال منها بقية إلى اليوم . وقد ارتقوا في سلم الحضارة حتى تحكموا في مياه الأمطار الغزيرة التي تأتيهم من البحر في الجنوب والشرق ، فأقاموا خزاناً طبيعياً يتألف جانباه من جبلين ، وجعلوا على فم الوادي بينهما سداً به عيون تفتح وتغلق ، وخزنوا الماء بكميات عظيمة وراء السد ، وتحكموا فيها وفق حاجتهم . فكان لهم من هذا مورد مائي عظيم . وقد عرف باسم : " سد مأرب " .

وهذه الجنان عن اليمين والشمال رمز لذلك الخصب والوفرة والرخاء والمتاع الجميل ، ومن ثم كانت آية تذكر بالمنعم الوهاب . وقد أمروا أن يستمتعوا برزق الله شاكرين :

( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) . .

وذكروا بالنعمة . نعمة البلد الطيب وفوقها نعمة الغفران على القصور من الشكر والتجاوز عن السيئات .

( بلدة طيبة ورب غفور ) . .

سماحة في الأرض بالنعمة والرخاء . وسماحة في السماء بالعفو والغفران . فماذا يقعدهم عن الحمد والشكران ? ولكنهم لم يشكروا ولم يذكروا :

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

{ لقد كان لسبأ في مسكنهم } هو في الأصل اسم رجل ، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان بن هود ، وهو أول ملوك اليمن . وكانت له عشرة أولاد ، تيامن منهم بعد السيل ستة ، وهم : الأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار وحمير . وتشاؤم منهم بعده أربعة ، وهم : عاملة وغسان ولخم وجذام . والمراد به هنا : الحي أو القبيلة المسماة باسمه ؛ فيصرف على الأول ، ويترك صرفه على الثاني ؛ وبهما قرئ . ومسكنهم : مأرب – بوزن منزل – باليمن على مسيرة ثلاث ليال من صنعاء . ويطلق عليها سبأ ، وهي مدينة بلقيس . { آية } علامة على قدرته تعالى وإحسانه ووجوب شكره . أو دالة على أن من بطر النعمة ولم يقم بحق شكرها سلبه الله إياها ، وبدله بها بؤسا وشقاء ، فليتعظ بذلك من كفر بالله وغمط نعمه ؛ ككفار مكة . { جنتان عن يمين وشمال } طائفتان من البساتين : طائفة عن يمين بلدهم ، وطائفة عن شماله ينعم الناس بثمارها ويستترون بظلالها .