أما النموذج الأول الذى جاء فى أعقاب سابقه - فقد ساقه - سبحانه - لسوء عاقبة الجاحدين ، متمثلا فى قصة قبيلة سبأ وكيف أنهم قابلوا نعم الهل بالبطر ، فمحقها - سبحانه - من بين أيديهم وفى شأنهم يقول - عز وجل - : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ . . . وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } .
و { لِسَبَإٍ } فى الأصل اسم لرجل ، وهو : سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ، وهو أول ملك من ملوك اليمن . .
والمراد به هنا : الحى أو القبيلة المسماة باسمه ، فيصرف على الأول ويترك صرفه على الثانى .
وكانوا يسكنون بمأْرِب باليمن ، على مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء وكانت أرضهم مخصبة ذات بساتين وأشجار متنوعة ، وزاد خيرهم ونعيمهم بعد أن اقاموا سدا ، ليأخذوا من مياه الأمطار على قدر حاجتهم ، وكان هذا السد يعرف بسد مأرب ، ولكنهم لم يشكروا الله - تعالى - على هذه النعم ، فسلبها - سبحانه - منهم .
قال ابن كثير : كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها ، وكانت التبابعة منهم ، وبلقيس منهم ، وكانوا فى نعمة وغبطة ، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ، ويشكروه بتوحيده وعبابدته فكانوا كذلك ما شاء الله ، ثم أرعضوا عما أمروه به ، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق فى البلاد .
أخرج الإِمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال : " إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ : ما هو ؟ رجل أم امرأة أم أرض ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : بل هو رجل . كانله عشرة اولاد ، سكن اليمن منهم ستة ، وهم : مَذْحِجْ ، وكِنْدَه ، والأزد ، والأشعريون ، وأنمار ، وحِميْر . وسكن الشام منهم أربعة وهم : لَخْم ، وجُذَام ، وعامِلَةُ ، وغسَّان " .
وإنما سمى " سبأ " لأنه أول من سبأ فى العرب - أى : جمع السبايا - ، وكان يقال له الرائش ، لأنه أول من غنم فى الغزو فأعطى قومه ، فسمى الرائش ، والعرب تسمى المال - ريشا ورياشا ، وذكروا أنه بشر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فى زمانه المتقدم .
والمعنى : والله لقد كان لقبيلة سبأ فى مساكنهم التى يعيشون فيها { آيَةٌ } بينة واضحة ، وعلامة ظاهرة تدل على قدرة الله - تعالى - وعلى فضله على خلقه وعلى وجوب شكره على نعمه ، وعلى سوء عقابة الجاحدين لهذه النعم .
فالمراد بالآية : العلامة الواضحة الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وبديع صنعه ، ووجوب شكره ، والتحير من معصيته .
ثم وضح - سبحانه - هه الآية فقال : { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أى : كانت لأهل سبأ طائفتان من البساتين والجنان : طائفة من يمين بلدهم ، وطائفة أخرى عن شماله .
وهذه البساتين المحيطة بهم كانت زاخرة بما لذ وطاب من الثمار .
قالوا : كانت المرأة تمشى تحت أشجار تلك البساتين وعلى رأسها المكتل ، يمتلئ من أنواع الفواكه التى تتساقط فى مكتلها دون جهد منها .
ولفظ { جَنَّتَانِ } مرفوع على البدل من { آيَةٌ } أو على أنه مبتدأ ، وخبره قوله : { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } .
وقوله - تعالى - : { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ .
أى : وقلنا لهم على ألسنة رسلنا ، وعلى ألسنة الصالحين منهم ، كلوا من الأرزاق الكريمة ، والثمار الطيبة ، التى أنعم بها ربكم عليكم ، واشكروا له - سبحانه - هذا العطاء ، فإنكم إذا شكرتموه زادكم من فضله وإحسانه .
وقوله : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } كلام مستأنلف لبيان موجبات الشكر .
أى : هذه البلدة التى تسكنونها بلدة طيبة لاشتمالها على كل ما تحتاجونه من خيرات ، وربكم الذى أعطاكم هذه النعم ، رب واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه وأناب ، ويعفو عن كثير من ذنوب عباده بفضله وإحسانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.