مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

ثم قال تعالى : { لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور }

لما بين الله حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان بين حال الكافرين بأنعمه ، بحكاية أهل سبأ ، وفي سبأ قراءتان بالفتح على أنه اسم بقعة وبالجر مع التنوين على أنه اسم قبيلة وهو الأظهر ، لأن الله جعل الآية لسبأ والفاهم هو العاقل لا المكان فلا يحتاج إلى إضمار الأهل وقوله : { ءاية } أي من فضل ربهم ، ثم بينها بذكر بدله بقوله : { جنتان عن يمين وشمال } قال الزمخشري أية آية في جنتين ، مع أن بعض بلاد العراق فيها آلاف من الجنان ؟ وأجاب بأن المراد لكل واحد جنتان أو عن يمين بلدهم وشمالها جماعتان من الجنات ، ولاتصال بعضها ببعض جعلها جنة واحدة ، قوله : { كلوا من رزق ربكم } إشارة إلى تكميل النعم عليهم حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض ، وقوله : { واشكروا له } بيان أيضا لكمال النعمة .

فإن الشكر لا يطلب إلا على النعمة المعتبرة ، ثم لما بين حالهم في مساكنهم وبساتينهم وأكلهم أتم بيان النعمة بأن بين أن لا غائلة عليه ولا تبعة في المآل في الدنيا ، فقال : { بلدة طيبة } أي طاهرة عن المؤذيات لا حية فيها ولا عقرب ولا وباء ولا وخم ، وقال : { ورب غفور } أي لا عقاب عليه ولا عذاب في الآخرة ، فعند هذا بان كمال النعمة حيث كانت لذة حالية خالية عن المفاسد المآلية . ثم إنه تعالى لما بين ما كان من جانبه ذكر ما كان من جانبهم .