الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } روى أبو سبرة النخعي عن فروة بن مُسيك الغطيفي قال : قال رجل : يا رسول الله ، أخبرني عن سبأ ما كان ؛ رجلاً أو امرأة ، أو أرضاً أو جبلاً أو وادياً ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " " ليست بأرض ولا امرأة ولكنه كان رجلاً من العرب ولد له عشرة من الولد ، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة ؛ فأما الذين تيامنوا ، فكندة والأشعريون والأزد ومذحج وأنمار وحمير " .

فقال رجل : وما أنمار ؟ قال : " الذين منهم خثعم وبجيلة ، وأما الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان " " .

والإجراء وترك الإجراء فيه سائغ ، وقد قرىء بهما جميعاً فالإجراء على أنه اسم رجل معروف ، وترك الإجراء على أنه اسم قبيلة نحو ( هذه تميم ) .

واختاره أبو عبيد لقوله :

{ فِي مَسْكَنِهِمْ } ، واختلف القراء فيه ، فقرأ حمزة والنخعي :( مسكنهم ) - بفتح الكاف - على الواحد ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي وخلف بكسر الكاف على الواحد .

الباقون : { مَسَاكِنِهِمْ } جمع .

{ آيَةٌ } دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، ثم فسرها فقال : { جَنَّتَانِ } أي هي جنتان : بستانان { عَن يَمِينٍ } من أتاهما { وَشِمَالٍ } وعن شماله { كُلُواْ } : وقيل لهم : كلوا { مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ } على ما أنعم عليكم ، وإلى ها هنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال : { بَلْدَةٌ } أي هذه بلدة أو بلدتكم بلدة { طَيِّبَةٌ } ليست بسبخة . قال ابن زيد : لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة قط ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وإن كان الركب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدواب فما هو إلاّ أنْ ينظروا لى بيوتهم فتموت الدواب ، وإن كان الإنسان ليدخل الجنتين فيمسك القفة على رأسه فيخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفواكه ولم يتناول منها شيئاً بيده فذلك قوله سبحانه : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } الهواء ، { وَرَبٌّ غَفُورٌ } الخطأ كثير العطاء .